الوقت- من المقرر أن يتوجه الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، يوم غد الثلاثاء إلى العاصمة العراقية بغداد من أجل التشاور والتباحث مع كبار المسؤولين العراقيين حول القضايا الثنائية والإقليمية.
وحول هذا السياق، أعلن السفير الإيراني في العراق أنه سيرافق الرئيس "روحاني" في هذه الرحلة التي ستستمر لثلاثة أيام، والتي تعدّ أول زيارة للرئيس "روحاني" للعراق، ولفت السفير الإيراني إلى أن وفداً تابعاً للمجلس الاقتصادي والسياسي الإيراني سيصحب الرئيس روحاني في هذه الزيارة التي لها أهمية بالغة لكلا البلدين، لأنها ستعزز العلاقات الثنائية بين طهران وبغداد على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك ستحدّ من التوترات على المستوى الإقليمي..
توسيع التعاون الاقتصادي
يعتبر التعاون الاقتصادي جزءاً مهماً في العلاقات الإيرانية العراقية، خاصة عقب سقوط النظام البعثي في العراق، وخلال العقدين الماضيين، أصبحت إيران الشريك التجاري الأول للعراق، ومن ناحية أخرى أصبحت بغداد ثاني أكبر وجهة للصادرات غير النفطية الإيرانية، حيث بلغ حجم صادرات إيران للعراق حوالي 8 مليارات و750 مليون دولار.
إن العراق يعدّ واحداً من أهم مراكز الاستثمار في العالم ولهذا فإن توسيع وتطوير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع العراق سيكون له أهمية استراتيجية كبيرة في سياسات إيران الأمنية والإقليمية والدولية، خاصة وأن المنافسين الدوليين لإيران مثل أمريكا، والسعودية، يبذلون الكثير من الجهود في وقتنا الحالي للحدّ من توسع نفوذ إيران في العراق.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها المسؤولون الأمريكيون لإجبار بغداد على الوقوف إلى جانب سياسات فرض عقوبات اقتصادية شديدة ضد طهران، إلا أن العديد من المسؤولين العراقيين والشخصيات الدينية والحركات السياسية أكدوا مراراً وتكراراً خلال الأشهر القليلة الماضية على عدم موافقتهم دعم سياسة البيت الأبيض المتمثلة بفرض عقوبات اقتصادية جائرة ضد طهران.
في سياق متصل أعرب العديد من المسؤولين الإيرانيين بأن تبادل البضائع التجارية بين طهران وبغداد بالعملات المحلية كان أحد الطرق للتحايل على العقوبات الأمريكية.
يذكر أن البنك المركزي العراقي أعلن في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي بأنه سيقوم بدفع أموال شراء الغاز الإيراني بالدينار العراقي، وفي هذا الصدد، قال السفير الإيراني في العراق، "إراج مسجدي"، يوم الأحد 18 نوفمبر الماضي : "نظراً إلى وجود الكثير من الصعوبات التي تواجهها عمليات التبادل التجاري بعملة الدولار، فإننا قمنا بوضع خطة تتمثل باستخدام الدينار العراقي أثناء القيام بعمليات التصدير والاستيراد أو عن طريق مبادلة الصادرات الإيرانية بواردات عراقية أيضاً".
معالجة قضايا الحدود والأمن
أفادت بعض وسائل الإعلام بأن الوفد الإيراني سوف يتباحث مع المسؤولين العراقيين في بعض القضايا الأمنية وسيحاولون معالجة بعض القضايا الحدودية.
يذكر أن إيران والعراق لديهم أكثر من 1400 كيلو متر من الحدود الترابية والمائية، ما يجعل هذا التعاون ضرورياً للحفاظ على أمن حدود البلدين الشقيقين وسيمكنهما من التعامل مع التهديدات المحتملة والمباشرة في تلك المناطق الحدودية.
وتعدّ قضية مكافحة الإرهاب واحدة من أهم القضايا الأمنية لكلا البلدين، وخاصة عقب عودة تنظيم داعش الإرهابي لبعض المناطق ووجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية.
لقد كانت إيران التي تعدّ من أبرز الدول المعادية للفكر التكفيري والإرهابي، من أوائل الدول التي وقفت جنباً إلى جنب مع الشعبين العراقي والسوري ودخلت في حرب شرسة مع مختلف الجماعات الإرهابية ولاسيما تنظيم داعش الإرهابي الذي كان منتشراً في العديد من المحافظات السورية والعراقية ولقد تمكّنت قوات الحشد الشعبي العراقية وبمساعدة القوات الإيرانية من القضاء على معظم فلول ذلك التنظيم الإرهابي في عام 2017.
من جهة أخرى، يبدو حالياً بأن وجود القوات الأجنبية الراعية للجماعات الإرهابية ومنع التدخل الأجنبي في العراق سيكون جزءاً من محادثات الرئيس "روحاني" مع المسؤولين العراقيين والجزء الآخر من المحادثات سيركز على القضايا الحدودية بين البلدين، ولا سيما تنفيذ اتفاقية "الجزائري" التي تم التوقيع عليها في عام 1975 بين الجانب الإيراني والجانب العراقي والمرتبطة بترسيم الحدود على طول شط العرب.
نموذج العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبغداد في المنطقة
إن العلاقات بين إيران والعراق تربطها العديد من الشراكات الثقافية والتاريخية والسياسية، ولهذا فهي تعتبر مثالاً واضحاً على تحالف استراتيجي بين دول منطقة غرب آسيا مبني على أساس الديمقراطية، والحفاظ على الاستقلال والاحترام المتبادل.
اليوم وبعد أن تم القضاء على معظم الجماعات الإرهابية الممولة من الغرب والتي كانت تصول وتجول في عدد من المحافظات العراقية، أصبح العراق أحد البلدان التي لها ثقل مهم في تحديد معادلات الأمن السياسي المستقبلي لمنطقة غرب آسيا.
ومن ناحية أخرى، وبسبب هويتها العربية، لعبت بغداد خلال الفترة السابقة دوراً مهماً في مختلف المنظمات والمؤسسات العربية، كجامعة الدول العربية وفي وقتنا الحالي أصبحت جزءاً من التكتل العربي الذي يدعو إلى الحدّ من هيمنة الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي ويبذل العراق حالياً الكثير من الجهود لخلق جو ملائم للحوار بين جميع دول المنطقة من أجل حل النزاعات الحاصلة بين بعض الدول العربية وإيران.
بطبيعة الحال إن مجمل كل هذه القضايا تعدّ من بين أهم أسباب اهتمام الحكومة الإيرانية بالدور الإقليمي للعراق، وهذا الأمر أكد عليه "محمد جواد ظريف"، وزير الخارجية في الأيام القليلة الماضية.
بشكل عام، لا بد من الاعتراف بأن زيارة الرئيس "روحاني" للعراق تعدّ خطوة مهمة في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين البلدين في المستقبل، كما أن الالتقاء بالمراجع الدينية العراقية سيكون عاملاً مهماً وسيخلق الأرضية الخصبة لتعزيز الروابط الثقافية والدينية بين البلدين.