الوقت- بعد قطيعة إستمرت ست سنوات، عقدت أمريكا ومصر یوم الاحد أول اجتماعاتهما المشتركة لبدء "الحوار الاستراتيجي" في العاصمة المصرية القاهرة. من يسمع مصطلح «الحوار الإستراتيجي» ولم يعرف عنه شيئاً، فيظن أن هذا الحوار سياتي بمكاسب إستراتيجية لمصر، لكن ثمة من یقول إنه لم يأت بشيء لمصر بعد انطلاقته الاولی بين البلدين، في يوليو 1989 من القرن المنصرم.
وبما أن الحوار الإستراتيجي بين مصر وأمريكا يؤكد علی التنسيق والحوار بين الجانبين في مجال القضايا السياسية والعسكرية والإقتصادية، فان هذا الحوار لم يساعد مصر علی حل مشاكلها في المجالات المذكورة ومازال الشعب المصري وحكومته يعانون من الازمات الإقتصادية والسياسية. حيث أن البلاد تحتاج الی مئات المليارات حسب ما تصرح به الحكومة المصرية، للخروج من التخلف الإقتصادي خاصة في مجال الطاقة، ولغرض خلق فرص العمل التي تحتاجها فئة الشباب في البلاد. وحتی إذاما اردنا إعتبار الدعم العسكري الأمريكي لمصر الذي يعود تاريخه لقبل بدء الحوار الإستراتيجي، بانه يعتبر من ثمار هذا الحوار، فان هناك الكثير ممن يشكك باهداف الدعم العسكري الامريكي لمصر، نظرا لإستراتيجية واشنطن الثابتة التي تؤكد علی تفوق الكيان الإسرائيلي عسكريا علی جميع دول المنطقة ومن ضمنها مصر. إذن يبقی هذا السوال مطروحا، ما قيمة الدعم العسكري الامريكي لمصر عندما يكون لا يعادل شيئاً أمام ما تحصل علیه تل أبيب؟
وفي هذا السياق قال سامح شكري وزير الخارجية المصري في الجلسة الافتتاحية للحوار الإستراتيجي وفق ما نقلت عنه جريدة الوطن المصرية: «نتطلع لاستمرار التعاون الوثيق في مجال حيوي، هو التعاون العسكري بما يسهم في تحقيق أمن البلدين، ويسهم في حث الجانب الأمريكي على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الواعدة في مصر من خلال قانون الاستثمار الجديد ومشروع قناة السويس الجديدة». لكن أغلب الصحافة المصرية اعتبرت هذا التفاؤل الكبير من قبل شكري حول التعاون الإقتصادي بين مصر وأمريكا في غير محله، معللة ذلك لسبب بسيط وهو عدم اهتمام واشنطن بالمشاريع الإقتصادية التي عرضتها القاهرة في مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي الذي عقد قبل أشهر، موضحة أن أمريكا لم تقدم اي دعم اقتصادي لمصر خلال هذا المؤتمر، علی عكس المساهمات الكبيرة من قبل الدول الاخری، التي وصلت حصيلتها النهائية الی 60 ميليار دولار، علی شكل اتفاقيات وعقود ومشروعات ممولة من القطاع الخاص وقرض من المؤسسات الدولية، حسب ما أكد رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب في ختام أعمال ذلك المؤتمر.
وفي هذا السياق نشر الباحثان الأمريكيان "إريك تريجر" و"ايتان ساياج" دراسة مهمة بعنوان "استئناف الحوار الاستراتيجي المصري – الأمريكي" أكدا خلالها أنه كان «من بين أهم أهداف الحوار الاستراتيجي التأكيد على الالتزام بعملية السلام العربية – الإسرائيلية»، وأوضحا أن إدارة جورج بوش الأب أدركت أهمية العلاقات المصرية - الأمريكية لدفع عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية، وعلیه دعت لبدء حوار استراتيجي مع مصر نظرا لمكانتها في العالم العربي. وبالاضافة الی دور مصر الرئيسي في تامين أمن الكيان الإسرائيلي، فقد منحت القاهرة واشنطن خلال الاعوام الماضية، حق المرور لسفنها في مياه قناة السويس واستخدام المجال الجوي المصري، لتوفير الإمدادات اللوجستية للقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
واخيرا يجب القول إن الحكومة المصرية الحالیة ستكون قد كررت أخطاء نظام حسني مبارك ثانية في حال إعتقدت أن الاعتماد علی أمريكا من خلال الحوار الإستراتيجي معها، سيخرج البلاد من أزماتها الإقتصادية والأمنية والسياسية، لان الامريكيين يعدون بالكثير، لكن ما ينفذونه من وعودهم فهو القليل القليل. وخير دليل علی ذلك، رأينا كيف تسلم الشعب المصري البلاد من حسني مبارك بعد عقود من التعاون التام مع أمريكا، وهي تعاني من التخلف في شتی المجالات خاصة المجال الإقتصادي والامني. وهناك من یقول إن الحوار الإستراتیجي ساعد واشنطن، بل حتی تل أبيب علی تنفيذ مشاريعهما في منطقة الشرق الاوسط في المجال الأمني والعسكري وحتی الإقتصادي، دون أن تكتسب القاهرة منفعة خاصة من وراء هذا الحوار.