الوقت-ليس إنجازاً أن يحتفظ الجمهوريون بالغالبية في مجلس الشيوخ بنتائج الإنتخابات النصفية التي تمّ خلالها انتخاب ثلث أعضاء هذا المجلس، لكن خسارتهم مجلس النواب لصالح الديموقراطيين هي الهزيمة بعينها، في ردٍّ على السياسات المتقلِّبة والصفقات المشبوهة التي يرتكبها الرئيس دونالد ترامب.
في مؤتمره الصحفي فور صدور النتائج، أعرب ترامب عن إحباطه من تقاعد 43 عضواً جمهورياً في مجلس النواب بدلاً من السعي لإعادة انتخابهم، وقد سمَّى بعضهم بأسمائهم قائلاً: “إن ما أقدمتم عليه أضرَّ بالحزب الجمهوري”، بينما جاء ردّ البعض منهم أنهم لم يخوضوا الإنتخابات خشية الهزيمة نتيجة الإنقسام الشعبي حول قرارات ترامب بشأن الهجرة.
فوز الديمقراطيين بـ219 مقعداً في مجلس النواب، مقابل حصول الجمهوريين على 194 مقعداً، مَنحَ الحزب الديموقراطي الأغلبية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، علماً بأن تمكُّن الحزب الجمهوري من المحافظة على الأغلبية في مجلس الشيوخ بـ51 مقعدا مقابل 43 للديمقراطي ليس انتصاراً، لأن النتائج أعطت الديموقراطيين سيطرة كاملة على مجلس النواب، وتعطيهم فرصة المُماحكة في مجلس الشيوخ، ما سوف يخوِّلهم فرض رقابة مؤسساتية على رئاسة ترامب، وهو ما من شأنه التأثير سلبيا على أجندة البيت الأبيض في تمرير عدد من الملفات التي يعتبرها ترامب أساسية.
الصفعة الثانية التي تلقاها ترامب هي في استقالة وزير العدل “جيف سيشنز”، الذي ذكر في مضمونها أنها جاءت بطلب من الرئيس، والتي يعود أحد أسبابها الى رفض الوزير متابعة التحقيق في ما يسمى “تدخُّل روسيا بانتخابات الرئاسة الأميركية” منذ سنتين، لكن السبب الأكبر والأخطر، وفق ما ذكرت بعض وسائل الإعلام، أن وزير العدل ينتقد مماطلة الرئيس ترامب في توجيه اتهام مباشر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، رغم أن مديرة الإستخبارات الأميركية “جينا هاسبل” أطلعت الرئيس على مضمون التسجيلات التي شاهدتها وسمعتها خلال زيارتها لتركيا، والتي تُدين النظام السعودي.
ولتبرير مواقفه المتبدِّلة والمُرِيبة في التغطية على محمد بن سلمان، ردَّ ترامب في مؤتمره الصحفي – بعد صدور نتائج الإنتخابات – على سؤال، إذا كان يعتبر المملكة مسؤولة عن اغتيال الخاشقجي، وما هو العقاب المحتمل الذي قد تفرضه الولايات المتحدة على المملكة حال ثبوت ذلك، فقال:”كما أكدنا سابقاً، هذا الأمر محزن جداً، وسيكون لدي موقف أقوى بكثير الأسبوع المقبل حول هذه القضية”، وهذا ما جعله موضع تهكُّم الإعلاميين الحاضرين.
وبهدف مُهادنة الديموقراطيين، أيَّد ترامب تولِّي زعيمتهم “نانسي بيلوسي” رئاسة مجلس النواب، لكن “بيلوسي” تتعامل بِريبة مع أسلوب عمل ترامب، خاصة في ما يتعلق بالضرائب وببناء الجدار العازل مع المكسيك، وقالت بعد انتصار الديموقراطيين في مجلس النواب: “يجب إعادة الإعتبار للدستور الأميركي في مواجهة سياسات ترامب”.
وإذا كان ترامب قد حَكَم على نفسه بالتأقلم مع الخصوم الديموقراطيين في الداخل، فإن الديموقراطيات الأوروبية قد قامت عليه قيامتها ولن تقعد، أولاً بسبب إعادة تطبيق العقوبات على إيران نتيجة إنسحابه من الإتفاق النووي الإيراني، وهو الإتفاق الذي تتمسك به فرنسا وبريطانيا وألمانيا بدعمٍ من المفوضية الأوروبية، وإعلان معظم الدول الأوروبية رفضها لقانون عقوبات مجحف بحق شركات أوروبية عملاقة مرتبطة بعقودٍ مع إيران، وثانياً، فإن الدول الأوروبية قد تنادت لاتخاذ موقفٍ من السعودية خلال أسبوع، قد يكون أبرز ما فيه، وقف تصدير الأسلحة اليها ما لم تُوقِف عدوانها على اليمن، إضافة الى وجوب جلاء دور النظام السعودي في انتهاكه الصارخ لحقوق الإنسان بقضية مقتل جمال خاشقجي.
المواقف الأوروبية غير المُنسجِمة مع سياسات ترامب المتقلِّبة، كانت أكثر تأثيراً على الناخب الأميركي من كل خطابات ترامب في الإنتخابات النصفية، خاصة في دفاعه عن السعودية وعن محمد بن سلمان تحديداً بحجَّة الحفاظ على صفقة الأسلحة المُقدَّرة بمئة وعشرة مليارات دولار، ولأن الديموقراطيين عبر تاريخ الولايات المتحدة تتركَّز همومهم على الداخل الأميركي والأوضاع المعيشية، على عكس الجمهوريين الطامحين دائماً لتوسيع الهيمنة على العالم في السياسات الخارجية، فإن أوروبا قد فعلت مواقفها فعلها عبر الديموقراطيين في إحراق ترامب والحاق الهزيمة به في الإنتخابات النصفية، هزيمةٌ قد تكون مؤشراً على الهزيمة الأكبر في السباق الرئاسي إذا ما استمر في مواقفه الزئبقية في عقد صفقات ونقض صفقات، وسيدفع ثمنها صفعات من الداخل والخارج لفرملة “جنونه”.