الوقت – أعلن الرئيسان الروسي والتركي يوم الاثنين 17 سبتمبر، بعد نهاية اجتماع سوتشي، خلال مؤتمر صحفي مشترك عن إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية، تفصل بين الجماعات الإرهابية وقوات الحكومة السورية، على شكل تفاهم يدعى اتفاق سوتشي، وبإشراف وتسيير دوريات القوات التركية والشرطة الروسية.
لهذا الاتفاق، الذي تم توقيعه في أعقاب القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء إيران وروسيا وتركيا في طهران، أبعاد عديدة في المجالين العسكري والأمني، وسيخلق في حال تنفيذه، فرصاً وتهديدات للجهات الفاعلة المشاركة في ملف إدلب.
تم التوقيع على اتفاق سوتشي في وقت كان قد بدأ فيه العد التنازلي لبدء الجيش السوري والقوات الرديفة عمليةً عسكريةً في محافظة إدلب، وتزايدت من ناحية أخرى التهديدات العسكرية الغربية باتخاذ إجراء هجومي، بالاعتماد على سيناريو الهجوم الكيميائي ودعم المدنيين، وتركيا باعتبارها واحدة من الأعضاء الرئيسيين في عملية أستانا، أبدت معارضتها للخيار العسكري ضد ما يسمى بالقوى المعتدلة، ولقي هذا الاتفاق ترحيب الجمهورية الإسلامية والقيادة في دمشق ومن ثم الأطراف الغربية.
ووفقاً لسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، فإن القرار المتخذ من قبل روسيا وتركيا حول إدلب، خطوة مؤقتة تهدف للقضاء التام على تهديد الإرهابيين (جبهة النصرة) على المدى الطويل، لأنه سينشئ منطقةً منزوعة السلاح فحسب، وسيوفر الأرضية لإخراج جميع المعدات العسكرية الثقيلة، يليه انسحاب جبهة النصرة الإرهابية من هذه المنطقة حتى منتصف أكتوبر.
وبناءً على ذلك، فإن اتفاق سوتشي الموضوع في عدة بنود، يشمل منطقةً خاليةً من الأسلحة في الريف الشرقي من اللاذقية في منطقة جسر الشغور وسهل الغاب وجبل شحشبو بالإضافة إلى مناطق كفر نبودة والهبيط إلى خان شيخون وتمانعة الغاب، باتجاه معرة النعمان ثم سراقب ومن هناك إلى ريف حلب الجنوبي والغربي. وتقع هذه المنطقة في عمق 15-20 كم، في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون والجماعات المسلحة، ووفقاً للاتفاق، فإن تركيا مطالبة بإخراج الأسلحة الثقيلة من المناطق المنزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر، ومن ثم في الخطوة التالية، توفير الأرضية لخروج المجموعات المسلحة المتطرفة والإرهابية من هذه المنطقة حتى 15 أكتوبر، بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك دوريات روسية تركية مشتركة في جميع مناطق خفض التصعيد.
ومن البنود الأخرى في هذا الاتفاق هي فتح طريقي M4 أو نفس طريق حلب إلى اللاذقية والطريق M5 أو الطريق الدولي من حلب إلى حماة، ومن المقرر أن تسيطر عليهما القوات الحكومية. ومن المؤكد أنه بعد إعادة فتح هذين الطريقين، سيتم رسم منطقة نزع السلاح حتى هذين الطريقين، وبالتالي سيتم خلق هامش واسع لضمان سلامة وصحة المارة في هذا الطريق، وهذا سيوفر أرضيةً مواتيةً لتوسيع حكم ونفوذ الحكومة السورية في هذه المحافظة، وسيطرتها على واحدة من أهم الشرايين الاقتصادية في البلاد أي الطريق العابر من حلب إلى حماة.
بعد التوقيع على هذا الاتفاق والإعلان عنه من قبل رئيسي روسيا وتركيا، انقسمت المجموعات الإرهابية المسلحة في إدلب، والتي تتكون من معسكرين من السلفيين – التكفيريين، والسلفيين -الإخوانيين بين موافق ومعارض، الجماعات المسلحة المدعومة تركياً، وفي مقدمتها أحرار الشام، وافقت بشكل ضمني على هذا الاتفاق، لكن الجماعات المنسوبة إلى المعسكر السلفي - التكفيري مثل حراس الدين، أنصار التوحيد، أنصار الدين، أنصار الله، تجمع الفرقان، جند القوقاز وغيرها من الجماعات المسماة بالجهادية، أعربت عن معارضتها للاتفاق وبنوده، بما في ذلك الانسحاب من خطوط التماس مع قوات الجيش العربي السوري في جسر الشغور إلى الريف الشرقي لإدلب والريف الشمالي والجنوبي الشرقي.
وبينما لم يبق سوى أقل من عشرة أيام حتى الموعد النهائي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة في إدلب وإخراج الأسلحة الثقيلة والجماعات المسلحة المتطرفة من مناطق التماس مع قوات الحكومة السورية، لكن الأدلة الميدانية تشير إلى أن اتفاق سوتشي لا يتم تنفيذه بشكل جاد، فعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) لم توضّح موقفها حتى الآن بشكل صريح، لكن الجماعات المرتبطة بالقاعدة والمعسكر التكفيري - السلفي، عبروا عن معارضتهم الشديدة للاتفاق، واتخذوا إجراءات ميدانية لعرقلة عملية تنفيذ الاتفاق، وفي المعسكر المنسوب إلى التيار السلفي-الإخواني، فعلى الرغم من الإعلان في وسائل الإعلام أن فيلق الشام والذي يعرف بأنه المجموعة الأقرب لتركيا، قد أخرج أسلحته الثقيلة من المناطق الخالية من الأسلحة، لكن الدوائر الرسمية لهذه المجموعة نفت هذه المعلومات، وعليه، يمكن القول إنه لا توجد رؤية واضحة فيما يتعلق بتنفيذ هذا الاتفاق في مجال التطورات العسكرية والأمنية في محافظة إدلب.
إن تنفيذ بنود هذا الاتفاق وموافقة روسيا على عدم بدء الحرب في محافظة إدلب، سيكون اختباراً صعباً لتركيا، وهي فرصة أخيرة لها لمنع هجوم عسكري من قبل القوات الحكومية على المحافظة. ولذلك، إذا لم تنجح تركيا في الوفاء بالتزاماتها حتى 15 أكتوبر حول نزع سلاح الجماعات الإرهابية المسلحة في إدلب، وعودة هذه القوات إلى بلادهم، والترحيل الآمن للجماعات المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد من إدلب إلى المنطقة العازلة في ريف إدلب، وبالتالي ضمان أمن القاعدة العسكرية الروسية في حميمم واللاذقية، سيثار مرةً أخرى الخيار العسكري من قبل الحكومة السورية والجهات الفاعلة الحليفة لها في مواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة، وهذه المرة سوف لن يكون لدى تركيا ذريعة لعرقلة مسار هذه العملية وعدم التعاون في تنفيذ هذه العملية ضد جبهة النصرة الإرهابية.