الوقت- بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على مظاهرات محافظة البصرة العراقية وما رافقها من أحداث أمنية وسياسية وخاصة محاولات الجهات المُغرضة والمُندسة ركوب موجة المظاهرات والالتفاف على حقوق أهالي البصرة المشروعة، أقدمت مجاميع مُندسة يوم الجمعة الماضي بالهجوم على مقر هيئة الحشد الشعبي في المحافظة وقاموا بأعمال تخريب ليتجهوا بعدها نحو القنصلية الإيرانية وأضرموا النيران فيها وهو ما رفضته القوى السياسية العراقية وخاصة الشارع البصري الذي لم ينزل إلى الشوارع في اليوم التالي ليعلن براءته من الأعمال التخريبية البعيدة عن مطالبهم، وفي هذا الشأن قام موقع "الوقت" التحليلي والإخباري بإجراء اتصال هاتفي حصري مع الكاتب والمحلل السياسي العراقي محمود الهاشمي للوقوف على آخر مستجدات وتطورات ملف البصرة وكذلك فيما يتعلق بتشكيل الحكومة.
بعد الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البصرة وحدوث بعض أعمال التخريب من قبل مندسين كحرق مقر هيئة الحشد الشعبي ومن ثم الهجوم على القنصلية الإيرانية في البصرة، برأيكم من هي الجهة التي تقف خلف هذه الهجمات وما هي الأهداف التي يرومون إلى تحقيقها؟
الهاشمي- بسم الله الرحمن الرحيم، لا شكّ أن أعداء الحشد الشعبي واضحون للجميع لأنهم كانوا دائماً ما يتعرّضون للحشد الشعبي في فترة قتاله، وهو في الخطوط الأمامية للقتال ضد الإرهاب، حيث تعرّض أبناء الحشد إلى حالات قتل مبرمجة وعمليات قصف من قبل الأمريكيين وبالمقابل هنالك الكثير من البيانات والإعلانات الرسمية وعلى لسان كبار المسؤولين الأمريكيين بأنهم يقفون بالضدّ من الحشد الشعبي وبذلك الوقت حاولوا أن يعطّلوا الكثير من القوانين التي تخص الحشد الشعبي ومورست ضغوطات على الحكومة العراقية مثل الضغط على قانون هيئة الحشد الصادر عن مجلس النواب لعرقلته، والدليل أن الكثير من حقوق الحشد الشعبي ما زالت معطلة، لذلك أعتقد أن عملية التعرّض لمقرات الحشد الشعبي داخل البصرة تقع ضمن ذات الدائرة لتقويض موقع الحشد الشعبي في الخطوط الأمامية ضد الإرهاب، الأمر الذي أدّى لعملية حرق مقرات الحشد الشعبي والتعرّض للمرضى والأطباء وقسم منهم مختفون حتى هذه اللحظة.
إذن أعداء الحشد واضحون ومن معهم، كالسعودية التي طالما خططت لممارسة ضغوط للتضييق على تحركات الحشد وحاولت خلق مشكلات لهم، وفي الجانب الآخر علينا أن نقف على موضوع حرق القنصلية الإيرانية، نحن نعرف من هم أعداء الجمهورية الإسلامية، أولاً: لماذا لم تتعرض السفارة الأمريكية إلى حرق أو شغب، ثانياً: لطالما أبدت السعودية انزعاجها مما يسمى النفوذ الإيراني داخل العراق، وقالت سننقل المعركة إلى حدود الجمهورية الإسلامية، كل ذلك يجعلنا نوجه أصابع الاتهام صوب أمريكا والسعودية وبقايا النظام البائد الذين نفذوا هذا المشروع، خاصة بعد أن ألقي القبض على مجموعة منهم على يد عصائب أهل الحق.
في سياق أحداث البصرة، صرّح نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السيد أبو مهدي المهندس قائلاً: لدينا وثائق تثبت أن الإدارة الأمريكية متورطة في أحداث البصرة الأخيرة، من وجهة نظركم ما هي الأهداف الحقيقة التي تريد أمريكا النيل منها من خلال الركوب على موجة مظاهرات البصرة أو محاولات حرفها؟
الهاشمي- أولاً: أمريكا تريد المحافظة على حالة الفوضى في العراق والإبقاء عليها، بدليل أن بعض المتظاهرين كان لديهم لقاءات مع القنصل الأمريكي في البصرة قبل أيام من بدء التظاهرة، الشيء الآخر هو عداؤها للحشد، لأنها تعتقد أن قوى الحشد والقنصلية الإيرانية داخل البصرة، هما جزء من حالة النفوذ داخل العراق وهي تحاول الآن الوقوف أمام الجمهورية الإسلامية في الكثير من المواقع وخاصة بعد العقوبات الجديدة المفروضة على إيران، كما أنها تعتبر الحشد الشعبي وأنصاره يشكلون حالة ضغط عليها لمنعها من تطبيق عقوبتها على الجمهورية الإسلامية وهذا هو أيضاً ما دفعهم إلى هذه الأفعال.
سيكون لأحداث البصرة بالطبع تبعات على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، كيف ترون تأثير حرق مقرّات هيئة الحشد الشعبي والأحزاب وفصائل المقاومة على تشكيل الكتلة النيابية الأكبر عدداً خاصة بعد تصريحات السيد هادي العامري والسيد مقتدى الصدر بمطالبتهم الحكومة الحالية تقديم استقالتها واختيار رئيس وزراء جديد؟
الهاشمي- نحن نعتقد أن مفتاح حل مشكلة العراق يبدأ من البصرة، فإذا استطعنا أن نشكّل حكومة قوية وفاعلة وحازمة وفقاً لدعوات المرجعية الرشيدة والواقع الذي يمرّ به العراق وبمستوى طموح الشعب وبمستوى التحديات الحالية وخاصة موضوع البصرة، سيكون مفتاح الحل من البصرة.
لذلك إذا عالجنا موضوع البصرة ببُعدها الاقتصادي والاجتماعي والمشكلات السياسية الكثيرة واستطعنا أن نخلق مدينة قوية فاعلة فسيكون الحل منها، إضافة إلى أن الظرف الذي تمرّ به البصرة هو الذي دعا بعض الكتل السياسية لدعوة السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى تقديم الاستقالة والتي تكاد تكون مطلباً جماهيراً، لأن الشعب لا يرضى برئيس وزراء فاشل لا يستطيع حل ملف بسيط مثل ملف البصرة وقد تهاون العبادي في التعاطي مع هذا الملف وأدى هذا التهاون إلى التعدي على القنصلية الإيرانية وعلى مقرات الحشد العشبي وفصائل المقاومة. لذلك إن إيجاد حل لأزمة البصرة له تأثير كبير على المستقبل، لأنه إن لم نرتفع إلى مستوى التحدي في البصرة، فستشهد محافظات الوسط والجنوب اشتعالاً من جديد وقد تخلق أزمة ربما لا نستطيع أن نقف أمامها ما لم يتم حل هذه المشكلات، لذلك بدأت مبادرات تشكيل الحكومة وتشكيل الكتلة الأكبر منذ يومين وقد تصل إلى نتائج إيجابية.
كما ذكرتم آنفاً هنالك توافق سياسي وربما شعبي على إبعاد العبادي عن السلطة لكن مع التدخلات السافرة من قبل الإدارة الأمريكية في شؤون تشكيل الحكومة والكتلة الأكبر، هل ستميل كفة الكتلة الأكبر صوب الإرادة الأمريكية أم صوب القوى الوطنية العراقية؟
نحن نعتقد الآن وبعد أحداث البصرة وبعد التحولات الجديدة لدى الكتل السياسية وخاصة كتلة سائرون وكتلة الفتح وما تم بينهما من لقاءات أننا انتصرنا على الإرادة الأمريكية في بغداد واستطعنا أن نقلّم أظافرها في مساحة كبيرة من العراق، لذلك، الجميع وخاصة النخب المثقفة والشارع العراقي ارتأت الوقوف مع كتلة الفتح وكتلة سائرون وبقية الكتل المناوئة للمشروع العراق ويعدّ ذلك انتصاراً كبيراً للإرادة العراقية وللسيادة العراقية أيضاً.
الجانب الآخر هو فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية، إذ اُثيرت في الآونة الأخيرة حملة شعواء ضد الجمهورية الإسلامية لتأليب الرأي العام العراقي ضد إيران وربما خلقْ جانب مظلم لإيران تجاه العراق، من يقود هذه الحملة وما هي أهدافها وما التداعيات التي من الممكن أن تحدث نتيجة العلاقات بين البلدين؟
الهاشمي- بالتأكيد هنالك حملة كبيرة وجيوش الكترونية تعمل ليل نهار ضد الجمهورية الإسلامية وضد العلاقة الطيبة مع إيران، لأن هؤلاء هم رعاة الإرهاب الذين يدركون تماماً بأن الجمهورية الإسلامية كانت قد وقفت مع العراق في ظرف صعب لمواجهة الإرهاب، ولذلك تسعى هذه الجيوش التي سخرتها السفارة الأمريكية والسفارة السعودية وبعض سفارات الدول الخليجية إلى النيل من الجمهورية الإسلامية ومحاولة خلق رأي عام لدى الشارع العراقي يبدي العداء لإيران، وفعلاً ظهرت بعض التظاهرات التي نادت بـ "إيران برة برة"، كما أثّروا حتى في الجانب السياسي على بعض الشخصيات السياسية ولعبت السفارة الأمريكية دوراً في هذا المجال بالضغط حتى على مجلس النواب وعلى تشكيل الحكومة والكتلة الأكبر لخلق فجوة بيننا وبين الجمهورية الإسلامية.