الوقت- لكل حرب أدواتها ووسائلها وأسرارها، ولكل أهداف سبل وطرق واجندات تحسمها الظروف وتستدعيها حاجة الزمان والمكان، وفي عصر الإعلام الرقمي والإلكتروني السهل والواسع الذي أصبح مصدر المعلومة الأول والمنهل الأبرز للثقافة والفكر؛ أصبح الإعلام الجبهة الأولى في غزو المجتمعات والبلدان والاقطار، وصناعة الانتصارات ورسم معالمها، والحلقة الأقوى في دوائر الترهيب النفسي، والسلاح الأخطر في معركة الحرب الناعمة التي تدار من مقاهي النت عبر المواقع الإلكترونية والمدونات وحسابات التواصل الإجتماعي المجانية.
في حرب تحالف العدوان على اليمن سلك العدوان السعودي الإماراتي ثقافتي الإستعمار الفكري والاستحمار العقلي في آن واحد، واعتمد على تضليل الرأي العام الداخلي والخارجي، وتزييف الحقائق وقلبها، وتزوير الأخبار والأرقام وافراغها من صوابها، وخلق هالة من الزخم المعنوي المزيف والإستكبار الهلامي تحت وطأة القوة والمال، فبدأ هجمته الشرسة بخلق مبررات عدوانه على البلد الجار، وتلفيق الإشاعات ورواية القصص والحكايات التي منحها إياه ناموس خياله وانشائه، واستغل عشرات القنوات الفضائية التي يمتلكها، والاف المواقع والصحف الإلكترونية، وجند في سبيل ذلك جحافل من المحللين والإعلاميين الذين يطلون على الشاشات المسطحة في التغطيات الإخبارية وهم يهرفون بما لا يعرفون لإتمام مهمتهم واسقاط واجبهم الكفيل بمنحهم أجورهم اليومية بعد كل هراء. ولم يقف العدوان عند هذا الحد؛ بل استغل نفوذه واوقف قنوات اليمن الوطنية وسعى لاسكات صوت الحقيقة المناوئه لتضليله في كل مكان، حتى مواقع التواصل الإجتماعي لم تسلم من الحجب والتهكير والقرصنة والتزوير، ومع استمرار سياسته في الكذب والإختلاق انتقلت العدوى لتصيب السياسيين والدبلوماسيين وناطقي الجيش والأمن والسفراء والملحقين، ومن منا لا يتذكر لغط الهالك سعود الفيصل وخرافات العميد عسيري وقبلها تأتأة الملك السعودي وشبق نجله الشاب، قبل أن تمارس أبواق النظام العالمي ومنظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان نفس السياسة التي فنّدها اليمنيون بوعيهم وايمانهم وثبات مواقفهم.
وفي دراسة لـ الأستاذ عبدالله صبري رئيس إتحاد الصحفيين والإعلاميين اليمنيين يمضي في هذا السياق كاشفاً الدور الكبير الذي عوّل عليه العدوان في الإعلام بالقول: من المعروف أن السعودية اعتمدت لعقود طويلة سياسة التدخل غير المباشر في شئون الدول، واستثمار ثروتها الكبيرة في شراء الذمم والولاءات، ولم تلجأ لتغيير هذه الطريقة إلا حين وجدت نفسها تتعرض لرياح الحراك الشعبي العربي في 2011م، ثم تظافرت عوامل ومتغيرات أخرى دفعت السعودية إلى التدخل العسكري والعدوان على اليمن في 2015م مع وصول سلمان ونجله محمد إلى سدة الحكم، وتوازت أهداف الحرب على اليمن مع أهداف داخلية، فقد اضطلع الإعلام الممول سعودياً ولا يزال بمسئولية تهيئة الرأي العام الداخلي للقبول بنجل سلمان ملكا للسعودية خلفا لوالده، وفي هذا الاتجاه تحركت الماكنة الإعلامية الممولة سعودياً، ودفعت نحو التهليل للحرب وسياسة الحزم، وفي الأيام الأولى لانطلاق ما يسمى بعاصفة الحزم سجل “تويتر” ثلاثة مليون تغريدة تدعم الحرب على اليمن.
لقد شكلت المؤسسات الإعلامية الوطنية خط الدفاع الأول في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن، وفي التصدي للحرب التضليلية والنفسية التي رافقتها، وتمكن الإعلام الوطني برغم محدودية وسائله وإمكاناته، من قلب الصورة التي قدمها إعلام العدو، وبدل التضليل والفبركات التي طبعت أداء مختلف وسائل إعلام العدوان ومرتزقته، كان الإعلام الوطني يعمل على نقل الحقيقة من الواقع، متسلحاً بصدق الكلمة، ومستفيداً من جرائم العدوان المتوالية بحق اليمنيين، فنقلها موثقة بالصوت والصورة، والمشاهد المؤلمة، الموشحة بالبأس والثبات، وبدموع الثكالى وأنين المستضعفين، لذا لا نستغرب كيف أن العدوان فاقم من استهدافه للمؤسسات الإعلامية الوطنية، فاعتدى على عدد منها بالضربات الجوية وعمد إلى حظر واستنساخ بعض القنوات الفضائية، وهدد وتوعد من يساند اليمنيين ومظلوميتهم في محاولة لترهيب الوسائل التي شكلت جبهة إعلامية تكفلت بتتبع جرائم العدوان، ونقل حقيقة الأحداث في اليمن بالصوت وبالصورة، وبالتقارير الميدانية، ومن خلال المقالات والرؤى التحليلية وغيرها، ووفر الإعلام الحربي مادة دسمة عن مجريات المواجهات في مختلف الجبهات خصوصاً على الحدود السعودية بالإضافة إلى توثيق انتصارات الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، وبالذات في العمق السعودي، حيث ظهر للعالم الفرق الكبير بين إقدام المقاتل اليمني، وإدبار المقاتل السعودي، بالتوازي مع توثيق المشهد اليمني في ظل العدوان بمختلف تفاصيله، مشاهد قتل واستهداف المدنيين من رجال ونساء وأطفال، ومشاهد تدمير البنية التحتية، وما قابلها من مشاهد الصمود والتلاحم الوطني في المسيرات والتعبئة الشاملة واللقاءات القبلية التي وضعت النقاط على الحروف في مقطوعة الصمود اليمنية.
بقلم: فؤاد الجنيد