الوقت- تتجه السياسة الخارجية للسعودية نحو المجهول في ظل تواتر الخلافات السياسية مع هذه الدولة أو تلك، فضلاً عن وجود خطأ واضح في رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمستقبل البلاد واتضح ذلك أكثر فأكثر في انسحاب الحلفاء التقليدين من تحت عباءة المملكة منذ عام إلى الآن.
وخلال الأشهر القليلة الماضية حدثت مجموعة من التطورات لا توحي بأن سياسة ابن سلمان تأتي أوكلها، فعلى مدى الأيام والأشهر الماضية تضررت السياسة الخارجية السعودية نظراً لمجموعة من الأحداث والتطورات، أبرزها تمثّل بصعود رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد مقابل فشل الحكومة الموالية للسعودية في الوصول إلى السلطة، والكشف عن الرشاوى السعودية لرئيس الوزراء الماليزي السابق، وبعد مضي عدة أشهر على هذه الحادثة انتصرت حركة الإنصاف الباكستانية بقيادة عمران خان "حليف إيران"، وبعد مدة من هذا انتشرت تقارير غربية حول التعاون الوثيق بين القاعدة والسعودية في اليمن وأفغانستان، ورافق ذلك أزمة دبلوماسية مع كندا، كل هذه الأمور وغيرها أوصلت السياسة الخارجية للمملكة إلى آفاق مسدودة وكلفتها الكثير.
ولكن هل هذا كل شيء؟!
الأزمة مع كندا ليست الأولى، فقد سبقها أزمات دبلوماسية معقدة تُركت دون حل لكون الأمير الشاب لا يريد التراجع عن هذه السياسة الماضي بها والتي تقرّبه أكثر فأكثر من واشنطن الحليف الأبرز وإن لم نقل الوحيد الآن.
أبرز الدول التي لديها خلافات مع السعودية:
ألمانيا وبلجيكا والسويد
بدأت الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبرلين على خلفية تحميل ألمانيا للسعودية مسؤولية تأزيم الأوضاع السياسية في لبنان بعدما احتجزت المملكة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وجاء ذلك بعد أن صرّح وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، بمسؤولية السعودية عن احتجاز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بعد استقالته في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وزعزعة استقرار دول منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الفور قامت السعودية بسحب سفيرها من ألمانيا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ووصفت السعودية التصريحات بالمشينة والعشوائية وغير المبررة، وقررت استدعاء سفيرها لدى ألمانيا الأمير خالد بن بندر بن سلطان للتشاور، وتقديم مذكرة احتجاج إلى السفير الألماني لدى السعودية.
سبق ذلك امتعاض ألماني من محاصرة السعودية لدولة قطر، حيث تحفظت برلين على قرار المملكة بحصار قطر براً وبحراً وجواً، وأبدت الخارجية الألمانية حينها تحفّظها على حصار قطر مجدداً، وذكرت في بيان 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن "حصار قطر المستمر منذ 5 أشهر يهدد التنمية وجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة".
امتد الخلاف بعد ذلك ليشعل أزمة اقتصادية بين البلدين، وعلى إثرها تضررت شركات ألمانية سعودية من ذلك، ورافق ذلك إعلان ألمانيا وقف صادرات الأسلحة إلى السعودية بعد التصريحات الرسمية التي لوّحت فيها السعودية بمعاقبة القوة الاقتصادية الأكبر في العالم.
سبق ألمانيا بمنع تصدير السلاح للسعودية، دولة السويد، حيث ألغت الأخيرة عقود تسليح للسعودية منذ العام 2015، ومؤخراً وفي شهر يوليو/ تموز أصدرت المحكمة العليا في بلجيكا قراراً بمنع تصدير الأسلحة إلى السعودية، بسبب أوضاع حقوق الإنسان فيها.
تركيا
تركيا لديها روابط جيدة مع قطر على جميع الأصعدة، فضلاً عن كونها تملك قاعدة عسكرية هناك، وفي 5 يونيو/حزيران 2017 تاريخ اندلاع الأزمة الخليجية، والتي نتج عنها قرار سعودي - إماراتي بمحاصرة قطر، إلا أن تركيا لم تؤيّد هذا الحصار وعوضاً عن ذلك قامت أنقرة بنشر قوات من جيشها يصل قوامها إلى 6 آلاف جندي في قطر، وهو ما أثار غضب السعودية.
وتفاقمت الأزمة بعد أن قال ولي العهد السعودي بأن تركيا هي جزء من مثلث الشر، تحدث عن ذلك ابن سلمان في تصريح أثناء زيارته إلى مصر في مارس الماضي، قائلاً: إن "مثلث الشر بالمنطقة مكوّن من العثمانيين وإيران والجماعات الإرهابية"، مضيفاً إن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها بالمنطقة، باستخدام جماعة الإخوان المسلمين".
واستمرت الخلافات بعدها وتصاعدت لنشهد نتائجها في القمة الإسلامية الطارئة التي دعا لها الرئيس التركي في اسطنبول ردّاً على إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن بلاده تعترف بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، حيث اقتصر التمثيل الرسمي للمملكة على وزير الدولة للشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد صالح بن عبد العزيز آل الـشيخ في حين تجاهل الإعلام السعودي القمة ونتائجها.
من كل ما تقدّم تظهر لنا مجموعة من النتائج نلخصها بالتالي:
أولاً: لم يستطع ابن سلمان تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقه على نحو جيد، فقد اتضح عدم خبرته في عالم السياسة، فضلاً عن التسرّع في اتخاذ القرار دون أخد التبعات بعين الاعتبار.
ثانياً: شمّاعة الإصلاحات الداخليّة ساعدته على التجرّؤ في السياسة الخارجية، يضاف إلى هذا الدعم الأمريكي المفتوح بعد وصول ترامب إلى السلطة، وبين اعتقاده بدعم الشعب له بعد الإصلاحات ووقوف ترامب إلى جانبه في أي قرار يتخذه دفعه للتطرف في اتخاذ قرارته الجديدة، والتي لم يسبق لأحد من الملوك السابقين التجرّؤ على اتخاذها.
ثالثاً: يعدّ الفشل أحد أهم الأسباب في افتعال المشكلات وحتى الساعة لم ينجح ابن سلمان في تحقيق أي نصر داخلي أو خارجي ملموس، حيث إن رؤية 2030 في مهب الريح، وهو غارق في العدوان السعودي على اليمن وغيرها من الملفات.