الوقت- منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2017، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل ما أوتي من سلطة تحويل دول المنطقة إلى دول فاشلة "الحليف منها والعدو" وذلك بغية السيطرة عليها سياسياً واقتصادياً، وفي هذه البلاد من لا يزال يقاوم رغم كل شيء، الفلسطينيون مثلاً، لم يستسلموا لكل المحاولات الرامية لتصفية قضيتهم والتي كان عرّابها ترامب عبر الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل" مستفيداً من تبعية بعض دول المنطقة له، ولأن تحقيق الهدف لا يتحقق فقط بـ"الاعتراف بالقدس" كان لابدّ من القضاء على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولكن هذه المرة يتولى هذه القضية صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر.
تعطيل عمل "الأونروا"
لم يكن مستغرباً أبداً أن يصل السيد كوشنير إلى هذا الحدّ من الوقاحة في التمادي على المؤسسات الدولية خدمةً للكيان الإسرائيلي، فهذا الشاب اليهودي الأصل خدم الصهاينة أكثر مما خدمهم قادتهم في الميدان والسياسة، ففي 21/6/2018 قام صهر الرئيس ترامب بجولة مكوكية على الشرق الأوسط شملت "الأردن، السعودية، قطر ومصر" وبالتأكيد بعد هذه الجولة كان لابدّ من زيارة كيان الاحتلال ولقاء رئيس الوزراء نتنياهو لإطلاعه على نتائج الزيارة التي كانت الغاية منها "تمرير صفقة القرن".
إحدى نتائج زيارة كوشنر في شهر حزيران إلى الشرق الأوسط، كشفت عنها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، حيث نسبت المجلة لمسؤولين فلسطينيين قولهم إن كوشنر ضغط على القيادة الأردنية -خلال زيارة له لعمان العاصمة في يونيو/حزيران الماضي- لتجريد أكثر من مليوني فلسطيني مسجلين بالأردن كلاجئين من "وضع لاجئين" حتى لا يكون هناك سبب لـ "أونروا" للعمل في المملكة.
وما يجري اليوم من محاولات لتعطيل عمل "الأونروا" يأتي في إطار المضي قدماً في تصفية القضية الفلسطينية قدر المستطاع، ورفع السقف إلى أعلى حد ممكن لإرضاخ الفلسطينيين أو إجبارهم على القبول بالوضع الراهن.
ومؤخراً كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن مناقشات بين مستشاري البيت الأبيض، دعا فيها جاريد كوشنر صهر الرئيس وكبير مستشاريه، إلى "بذل الجهد الصادق لعرقلة" نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وذكرت المجلة الأمريكية، أن كوشنر حاول التخلص بهدوء من وكالة الإغاثة "الأونروا"، التي وفرت الغذاء والخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين لعقود، واعتبرت المجلة أن مساعي كوشنر تأتي في إطار حملة أوسع نطاقاً من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب وحلفائها في الكونغرس، لتجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة، وإخراج قضية عودتهم لوطنهم من المفاوضات بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
وبحسب المجلة كان كوشنر متردداً في التحدث علانية عن دوره الدبلوماسي في الشرق الأوسط، فيما كانت خطة السلام التي عمل عليها مع مسؤولين أمريكيين لمدة 18 شهراً واحدة من أكثر وثائق واشنطن سريّة وتعقيداً، وكشفت المجلة أن موقف كوشنر من قضية اللاجئين وعداءه تجاه "الأونروا" كان واضحاً في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي كتبها كوشنر وآخرون في وقت سابق من هذا العام.
وكتب كوشنر عن الوكالة في واحدة من تلك الرسائل المدونة بتاريخ 11 يناير الماضي، وأرسلها للعديد من كبار المسؤولين، بمن فيهم مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلات: "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل "الأونروا".
ووفقاً للمجلة زعم كوشنر "أن هذه الوكالة تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعّالة ولا تساعد على السلام".
وأشارت المجلة إلى أن العديد من مؤيدي "إسرائيل" في أمريكا يعتقدون اليوم أن "الأونروا" جزء من بنية تحتية دولية أبقت قضية اللاجئين بشكل مصطنع حية، وزرعت الآمال بين الفلسطينيين في المنفى، بأنهم قد يعودون يوماً ما إلى ديارهم، وهو أمر تستبعده "إسرائيل" بشكل قاطع.
وقالت المجلة إن محاولة تدمير "الأونروا"، تظهر أن إدارة ترامب مستعدة لإعادة صياغة شروط قضية اللاجئين الفلسطينيين لمصلحة "إسرائيل"، على غرار ما فعلت في قضية رئيسية أخرى في ديسمبر، عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لـ "إسرائيل".
ونسبت إلى المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية بواشنطن إيلاد استروهماير قوله إن حكومته ترغب في إنهاء "أونروا" نظراً إلى أنها منظمّة تعمل سياسياً ضد "إسرائيل" وتديم قضية اللاجئين الفلسطينيين، مضيفاً إن الفلسطينيين هم الشعب الوحيد في العالم القادر على تمرير "وضع لاجئ" عبر الأجيال.
أساليب تصفية القضية
تتعمد واشنطن اللعب على حبال "الدعم المادي" وتتخذ من هذا وسيلة للضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على القبول بالشروط التي يفرضها ترامب والمستوحاة من "اللوبيات الصهيونية وكيان الاحتلال نفسه" فتأثير هذين الاثنين على ترامب وصهره بالغ الأثر، وانطلاقاً من حجم أمريكا السياسي وقدرة تأثيرها على بعض دول الشرق بدأ ترامب يمارس عنجهيته وأسلوبه التجاري مع الدول الخليجية وبعض الدول الأخرى للمساهمة في تغطية "صفقة القرن" ولا ننكر بأنه قطع أشواطاً في هذا المجال ولكن تضامن ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز مؤخراً مع الفلسطينيين أثار بعض الريبة لدى الإدارة الأمريكية بعد أن كان نجله يمضي في تمرير هذه الصفقة دون إعارة أي أهمية لمشاعر الفلسطينيين والقضية المركزية التي ظلّت بلادها تدافع عنها على المنابر عشرات الاعوام، ولكن يبقى لترامب أسلوبه الخاص مع السعودية "تخليصها أموالها عبر الابتزاز" أحد الأمثلة.
الأمر الآخر الذي تعمل عليه واشنطن هو إيقاف تمويل جميع المنظمات الدولية التي تقدّم الدعم للفلسطينيين، والضغط على كل الدول التي تقدم أموالاً للفلسطينيين، ومؤخراً بدأ الضغط على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا)، فقد حذر وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، من التبعات الخطرة لاستمرار العجز المالي الذي تواجهه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا)، مشدداً على ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي لسدّ هذا العجز لتمكين الوكالة من الاستمرار في تقديم خدماتها كاملة للاجئين الفلسطينيين وفق تكليفها الأممي.
محاولات واشنطن والصهاينة لا تنتهي في قصم ظهر المقاومة الفلسطينية ولكن المقاومة التي صمدت سبعة عقود وابتكرت عشرات الأساليب لمقارعة العدو الصهيوني لن يصعب عليها اليوم، إيجاد طرق لمواجهة المحاولات الرامية لتصفية قضيتها.