الوقت- كلما قلنا إن الوضع ساء اكتشفنا أنه يمكن أن يسوء أكثر وأكثر، هكذا يشعر العديد من المسلمين في العالم بعد الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها كل من أمريكا وأوروبا، هذا الشعور ازداد في الآونة الأخيرة ولاقى أصداء كبيرة في أوروبا خصوصاً بعد هجمات باريس وبعدها بروكسل حول وضع المسلمين في المجتمعات الغربية، وتجاوزت اتجاهات العداء للمسلمين في الدول الأوروبية الخطابات الشعبوية التي تتبناها التيارات اليمينية المتطرفة، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة حملات تهديد للمسلمين واعتداءات جسدية ولفظية على المحجبات والملتحين، بالإضافة إلى كتابة شعارات نازية على منازل المسلمين أو الاعتداء عليها، وصولاً لإتلاف السيارات، وتنظيم الاعتصامات، واستخدام موادٍ حارقة، وقتل الأبرياء بدم بارد والصدمة أن كل هذه الأعمال منظّمة ومدروسة وتطبّق من قبل شخصيات سياسية رسمية.
وتشير الأرقام الأخيرة إلى ارتفاع نسبة الاعتداءات بحق المسلمين بشكل ملحوظ، ولكن ردود الأفعال تجاهها تبدو على حالها من دون تغيير، وإن كل اعتداء إرهابي صارخ على مدينة غربية يكون مقروناً بتصاعد ملحوظ في الهجمات التي تستهدف المسلمين في الغرب، وطبقاً لمشروع "تيلماما" الذي يتخذ من بريطانيا مقرّاً له ويقدّم خدمات عامة تعنى بقياس ورصد الهجمات المعادية للمسلمين -الجسدية واللفظية منها-، فإن ذلك النوع من الهجمات قفز بنسبة 275% في الفترة التي تلت الاعتداءات التي نفذت في العاصمة الفرنسية باريس، وتظهر المعلومات أن أغلبية الهجمات نفذت ضد النساء.
آخر الحالات كانت يوم أمس الجمعة، حيث أوقفت الشرطة البلجيكية يوم الجمعة شخصين يشتبه في اعتدائهما على فتاة مسلمة لفظياً وجسدياً الاثنين الماضي بمنطقة أندرلو جنوبي البلاد، حيث ضرباها ومزّقا حجابها ورسما الصلبان على جسدها، وأفادت وكالة أنباء "بيلغا" الرسمية بأن النيابة العامة في مدينة تشارلوري أعلنت توقيف الشخصين على خلفية الاعتداء إلا أنهما رفضا التهم الموجهة لهما.
وأضافت الوكالة إن النيابة تواصل التحقيقات في الحادثة، التي شهدت شتم الفتاة (19 عاماً) وضربها، وتمزيق حجابها وملابسها، ورسم صلبان بأداة حادة على أماكن مختلفة من جسدها.
ويرى محللون أن الوضع الحالي مرشح إلى التصاعد وذلك لأسباب عديدة من بينها:
1-خطابات الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر:
هنا يربط محللون بين الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون واللاجئون في ألمانيا وأمريكا وخطابات الكراهية على الوسائل الافتراضية، كما أجرى الباحثون في جامعة "وارويك البريطانية" في يناير الماضي دراسة توصلوا فيها إلى وجود علاقة وثيقة بين خطابات الكراهية على فيسبوك وتويتر، وتكرار الاعتداءات على المسلمين واللاجئين، كما لاحظ الباحثون أن هناك تزايداً في الاعتداءات ببعض المناطق الجغرافية التي تتداول فيها خطابات الكراهية بكثرة.
2-التصريحات الرسمية العنصرية:
وفي نفس الدراسة التي أجرتها الجامعة البريطانية، لاحظ الباحثون تزايد حالات الاعتداء على الأقليات عقب تغريدات "دونالد ترامب" التي تستهدف الأقليات، كما ازدادت أيضاً في أوروبا وخاصة في ألمانيا بعد تصريح هورست زيهوفر وزير الداخلية الألماني ورأس الحربة في حزب اليمين المتطرف في أمريكا، في مقابلةٍ مع صحيفة "بيلد" في مارس 2018: "إن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا التي تمتاز بالمسيحية، والكنائس، وأعياد الفصح والقيامة.. وبالطبع المسلمون الذين يعيشون معنا ينتمون إلى ألمانيا".
3- عدم وجود قانون عقوبات:
هنا يرى باحثون اجتماعيون يعملون في مجال حقوق الإنسان في أوروبا أن الأمر سيزداد سوءاً في القادم من الأيام خصوصاً أن هناك بعض الدول ترفض حتى الآن سنّ قانون تشريعي يمنع المجرمين من تنفيذ هجماتهم ضد المسلمين، وعلى سبيل المثال هولندا، التي ترفض الاعتراف بظاهرة العنصرية وجرائم الكراهية، ورغم تقدّم بعض النواب بمسودة مشروع قانون يتعلق بما سلف، رفض البرلمان الهولندي طلب مناقشة هذا القانون.
4-سطوع نجم اليمين المتطرف في سماء أوروبا والعالم:
ويرى المحللون هنا أن من أبرز وأهم العوامل التي أدّت إلى ظهور التطرف ضد المسلمين في أوروبا هو عودة اليمين المتطرف إلى الواجهة من جديد، حيث قام بصياغة خطاب راديكالي تجاه المسلمين متهماً إياهم بالمسؤولية عن الأزمات التي تمرّ بها المجتمعات الغربية بما في ذلك ما تتعرض له من هجمات إرهابية وذلك لتبرير استهدافها.
خلاصة القول، إن العالم الإسلامي اليوم يتعرّض إلى أنواع عديدة من الإرهاب، منها الإرهاب المتمثل بالجماعات المتطرفة "الوهابية والتكفيرية" ذات الصناعة الغربية التي شوهت الصورة الحقيقية المسالمة للإسلام والمسلمين، والإرهاب المتمثل بالإسلاموفوبيا الذي صنعه أيضاً الحكام الغربيون الذين يدعمون الإرهاب ويشاركون في قتل الشعوب بذريعة محاربة الإرهاب، وحري بمن يتعرّض للمسلمين في الغرب أن يسأل الحكام الغربيين عن سبب دعمهم للإرهاب، في وقت يدّعون فيه الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي وحرية اختيار المعتقد دون ضغوط أو ترهيب.