الوقت- اعتادت منظمة "خلق " الإرهابية في السنوات الأخيرة على تقديم مفاجآت في تجمّعها السنوي في باريس، إحدى المفاجآت السابقة (قبل عامين) تمثّلت بحضور الأمير "ترکي الفيصل" الذي ألقى خطاباً شديد اللهجة معارضاً فيه النظام الإيراني، ففي العام الماضي دعت المنظمة جون بولتون الذي عينه الرئيس ترامب قبل أشهر مستشاراً للأمن القومي، وأما المفاجأة الأخيرة فقد تمثّلت باتهام إيران بمحاولة القيام بعمل "إرهابي" ضد هذا المؤتمر.
المؤتمر السنوي الذي عقد يومي السبت والأحد في العاصمة الفرنسية باريس، وشارك فيه العديد من السياسيين الأوروبيين والأمريكيين ومنهم رودي جولياني المستشار القانوني للرئيس الأمريكي ترامب وبرنار كوشنر وزير خارجية فرنسا السابق، اتسم بخطابات متكرّرة زادت فيها عبارات "إسقاط النظام"، إلا أن إحدى المفاجآت الأخرى تمثّلت بجلوس عدد كبير من اللاجئين على مقاعد الاحتفال وذلك لتقديم جهات لهم وعوداً بوجبتي غداء، وهدية عبارة عن 25 يورو، إضافةً إلى رحلة سياحية داخل باريس تتضمّن زيارة برج أيفيل.
الاتهام الجديد من قبل المنظمة التي أدرجت على مدار ثلاثة عقود على قائمة المنظمات الإرهابية لدى الاتحاد الأوروبي وأمريكا، والذي يعيدنا إلى سيناريو مماثل حصل مع وزير الخارجيّة السعودي، السفير في واشنطن حينها، عادل الجبير عندما تمّ اتهام طهران بمحاولة اغتياله، الأمر الذي يستدعي الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: الشبهات حول العملية المزعومة تبدو واضحةً، وقد أكّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن خطة الهجوم ضد مقاتلي "خلق" "عملية مزيفة" تهدف إلى الإضرار بالجمهورية الإسلامية، يرى خبراء أن أحد أبرز أهداف هذه العملية هو شيطنة النظام الإيراني الذي أثبت للعالم زيف الادعاءات السابقة التي كانت تسوّقها الإدارة الأمريكية تجاهه، اليوم، وبعد انفضاح واشنطن وسياساتها المزيفة في ظل وصول ترامب، تعمد واشنطن إلى الضرب بحربة منظمة خلق "الإرهابية"، وللمفارقة تحت شعار الإرهاب، هناك اليوم مراهنة على إسقاط النظام الإيراني من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبالتعاون مع بعض الدول في مقدمتها السعوديّة، لذلك لا بد من تعويم هذه المنظمة ومحاولة إظهارها كمنظمة مظلومة على الصعيد العالمي بغية دعمها، خاصّة أنها كانت منظمة إرهابية لثلاث عقود.
ثانياً: الاتهام يعيدنا إلى سيناريو مشابه حصل قبل سنوات ويتمثّل في اتهام طهران في محاولة اغتيال السفير السعودي السابق في واشنطن عادل الجبير، وبعد الشهرة التي كسبها الجبير من السيناريو السابق، وصل إلى منصب وزارة الخارجيّة وهو المنصب الذي كان محتكراً على العائلة الحاكمة، لكن قرب الجبير من واشنطن أوصله إلى هذا المكان الحساس جداً، وأما السيناريو فكان اتهام إيران بمحاولة اغتيال الجبير لتعويمه، وبالفعل هذا ما حصل بالضبط، واليوم أمريكا وبتعاون سعودي تسعى لتكرار السيناريو ذاته.
ثالثاً: إن أكبر ضربة وجهها النظام الإيراني لهذه المنظمة هي فضحها بسبب الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الإيراني، هناك أكثر من 17 ألف مواطن إيراني قتلوا على يد هذه المنظمة، وبالتالي تدرك إيران أن أي خطوة كهذه ستخدم المنظمة أكثر من أن تضرّها، فضلاً عن كونها لن تؤثر على حركة هذه المنظمة، هذا التوجّه يخدم المنظمة التي فشلت في التحشيد للمؤتمر، لذلك عمدت إلى إحضار عدد كبير من اللاجئين الذين يبحثون عن لقمة العيش.
رابعاً: في الحقيقة، لا تعدّ مسألة الدفع للحضور بالأمر الجديد على المنظمة، وإن كان الأمر سابقاً حصل على نطاق أضيق، وفي حين اعترف بولتون وغيره في وقت سابق أنهم تلقوا أموالاً من منظمة مقاتلي "خلق" لقاء مشاركتهم في مؤتمرها السنوي، أكد دبلوماسي أمريكي سابق خلال مقابلة مع قناة بي بي سي الفضائية أن منافقي "خلق" يريدون شراء كل شيء، فهم اتصلوا بي مرات واقترحوا دفع 15 إلى 20 ألف دولار على مشاركتي في مؤتمرهم وإلقاء الكلمة، العضو المنشق عن المنظمة، ايرج مصداقي، يؤكد أن المنظمة تدفع مبالغ هائلة لكثير من المشاركين في مؤتمراتها وهم ليسوا أعضاءها.
خامساً: هناك تحرك سعودي - أمريكي واضح لتعويم هذه المنظمة من جديد، وبالتالي إن مشاركة تركي الفيصل في اجتماعات المنظمة، في ظل الحديث الذي بات رسمياً عن تزوّجه من زعيمة المنظمة مريم رجوي، "يشير إلى ميل نحو إبراز مكانة المنظمة الإيرانية وتسليط الضوء عليها، في ظل تراجع نفوذها وتأثيرها في أوساط المعارضة الإيرانية، بعد أن فقدت شعبيتها منذ ثمانينيات القرن الماضي إثر مشاركتها في الحرب العراقية الإيرانية واتخاذها مواقف مؤيدة لبغداد"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
في الخلاصة، لا نعتقد أن المشكلة في منظمة "خلق"، أنها ترى في هذه الاتهامات شهرة لها باعتبارها لا تحظى اليوم بأي ثقل سياسي وامتداد في الداخل الإيراني، الغرب يدرك هذه الحقيقة جيّداً، وبالتالي يراهن اليوم على حصان خاسر منبوذ من المعارضة الإيرانية في الداخل قبل أن يكون منبوذاً من النظام نفسه، وجلّ ما يمكن فعله هو إسماع بعض الأمريكيين والأوروبيين ما يحبّون، أو يتمنّون، أي إسقاط النظام.