الوقت- عقدت زمرة "منافقي خلق" الإرهابية، أمس السبت، إجتماعها السنوي في العاصمة الفرنسية باريس، إلا أن مفارقة هذا العام تمثّلت بحضور الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل.
لم يكتفِ الممثل السعودي، اول مسؤول خليجي يشارك بهذا المؤتمر السنوي، بالحضور، بل أثر الكلام على الصمت حيث أخرج موقف بلاده إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الخفاء إلى العلن عندما قال : "أنا أيضاً أريد إسقاط النظام". كلام الفيصل الذي روّج له الإعلام السعودي، كحال المؤتمر، تطرّق بشكل واضح إلى الداخل الإيراني عندما قال " نظام الفقيه منح نفسه صلاحيات مطلقة، وقام بعزل إيران، وأن الشعب الإيراني أول ضحاياه"، الأمر الذي يؤكد عزم الرياض على إيجاد شرخ في الداخل الإيراني في حين أنها تدّعي تدخل إيران في شؤون المنطقة.
رغم أن حضور الأمير تركي الفيصل في المؤتمر، يعد مقدمة أولى لخروج دعم الرياض لمنظمة خلق الإرهابية من الخفاء إلى العلن، وبالتالي من الممكن أن نشاهد زعيمة منافقي خلق مريم رجوي في الرياض قريباً، إلا أن الدعم السعودي للمنظمة ليس بجديد، وهذا ما لمسناه من كلام الفيصل نفسه عندما ألمح إلى موت مسعود رجوي، الذي لم یظهر للعلن ولم تبث له أي صور جدیدة منذ عام 2003، حيث كرّر الفيصل خلال خطابه ولعدة مرات كلمة "الفقيد" وذلك ضمن اشارته لرجوي، الأمر الذي يؤكد شائعات هروب رئيس منظمة خلق الإرهابية من العراق إلى السعودية إثر الإحتلال الأمريكي للعراق.
لا نسغرب كلام الفيصل عن إسقاط النظام الإيراني والذي يعدّ تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية، ولو صح كلامه عن وفاة رجوي، فهذا يعني أن السعودية تتدخل في شؤون إيران الداخلية منذ العام 2003، وما حضور الفيصل بالأمس إلا تتويجاً علنياً لأكثر من عقد من الدعم الخفي لجماعة خلق الإرهابية.
لم تلتحف السعودية الصمت هذه المرّة في دعمها لمنظمة خلق الإرهابية، وتتحاشى الصدام العلني مع ايران في هذه القضية باعتبار أن أيدي المنظمة "ملطخة بدماء الآلاف من الإيرانيين وغير الإيرانيين"، بل إن التفسيرات لهذه الخطوة السعودية عديدة، وتعكس الموقف السياسي والعقائدي لاصحابها، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: أكّدت السعودية من خلال حضورها المباشر في هذا المؤتمر تدخّلها في الشؤون الداخلية لإيران، خاصّة أن هذه الجماعة بالذات لا تقل عدوانية في نظر الشعب الإيراني عن تنظيم داعش الإرهابي، إن لم تتقدّم عليه باعتبار أن الجرائم التي ارتكبتها زمرة منافقي خلق في حق الشعب الايراني لا يمكن للتاريخ و الذاكرة الايرانية و العربية أو الاسلامية ان تنساه.
ثانياً: يأتي الدعم السعودي لجماعة خلق في ظل إفلاس إقليمي حيث أنه وبعد فشلها في تحقيق أهدافها من العدوان على اليمن رغم مرور أكثر من 473 يوماً، وكذلك فشلها في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الأزمة، وجدت نفسها أمام خيارين إما الرضوخ للواقع أو البحث حلقة جديدة، وبالفعل وجدت الرياض في "زمرة خلق" ضالتها. بعبارة أخرى، إن منظمة خلق هي الطلقة الأخيرة في جعبة السعودية ضد إيران.
ثالثاً: إن دعم الرياض لهذه الجماعة، التي رفعها الإتحاد الإوروبي من قائمة الإرهاب في العام 2008، في حين أن واشنطن قامت في منتصف شهر سبتمبر 2012 برفع الحظر المفروض على الحركة، يأتي في السياق العام لدعمها للجماعات الإرهابية بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق ووصولاً إلى سوريا. ان الارهابیین باتوا أداة لتمریر اهداف السعودیة ضد الدول الاسلامیة بالمنطقة.
رابعاً: إن السعودية التي تغيب عن مناسبات الدعم للقضية الفلسطينية، تحضر اليوم في مؤتمرات تهدف لمواجهة أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، ما يؤكد أن "القدس" حالياً على الرف في ميزان الحساب السعودي. مفارقة أخرى في حضور تركي الفيصل بالأمس، هو أنه المسؤول السعودي نفسه الذي دعا إلى توسيع التعاون العربي مع الكيان الاسرائيلي لمواجهة "التحديدات" ومن بينها ايران، وذلك خلال مناظرة نظمها "معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى، جمعته بمستشار الأمن القومي السابق للحكومة الإسرائيلية، الجنرال يعقوب أميدرور. ليس ذلك فحسب بل هاجم الفيصل في كلمته أمام "منافقي خلق"حركات المقاومة الفلسطينية.
خامساً: حاول الفيصل كسب جزء من الرأي العام الإيراني من خلال هذه الخطوة، وهذا ما ظهر في خطابه عندما قال: أن العرب يكنّون عظيم الاحترام للثقافة الإيرانية والإسهامات الفارسية، إلا أنه أخطأ البوصلة هذه المرّة بإعتبار أن هناك أكثر من 16000 ايراني قضوا على يد هذه المنظمة الإرهابية.
في الحقيقة، إن لجوء الرياض بشكل علني إلى زمرة خلق الإرهابية يعد الطلقة ما قبل الأخيرة في جعبة النظام السعودي، ولن تنتظر الرياض كثيراً، بعد فشل هذه الخطوة، في أن تلجئ إلى الطلقة الأخيرة بشكل علني أيضاً في مواجهتها مع إيران، أقصد هنا الكيان الإسرائيلي لا غير.