الوقت-الى اين يسير بن سلمان بالاقتصاد السعودي؟ سؤال بات يطرح على كل لسان سعودي يومياً، إثر ما كشفه اقتصاديون فرنسيون ومؤسسات مالية كبرى عن هروب المستثمرين الأجانب بسبب المغامرات الطائشة للنظام السعودي وولي عهده الأمير الشاب عديم الخبرة. من المفارقات ان صاحب رؤية 2030 الذي كما يقول يسعى الى هيكلة الاقتصاد السعودي من جديد عبر ضبط الانفاق وفرض الضرائب والرسوم ومحاربة الفساد لتقليس عجز الموازنة التي تزيد يوماً بعد يوم، يبرم في الوقت ذاته صفقات بمليارات الدولار في اقل من ساعة واحدة احياناً كما حصل في اتفاقه مع مؤسسة شركة سوفت بانك اليابانية التي يقول مديرها انه استطاع اقناع ولي العهد السعودي خلال خمسة وأربعين ساعة بدفع 45 مليار دولار أي مليار دولار في الدقيقة الواحدة!
وفي اخر تقرير لصندوق النقد الدولي، دعا السعودية الى الابتعاد عن السرعة المفرطة في فرض الضرائب لتجنب انكماش النمو وارتفاع الأسعار، وقد تكون هذه المرة الأولى في تاريخ الصندوق النقد الدولي يدعوا فيه بلداً لتجنب جماح التقشف، فالتسرع بالاقتصاد كما في السياسة يصبح تهوراً إذا كانت نتائجه وخيمة واخفاقاته كثيرة وبعد فترة تنكشف فيه الاختلالات ويبدؤ فيه الحديث عن المراجعات، فرؤية 2030 ستراجع، وزمن طرح أرامكو للاكتتاب ستراجع ايضاً كما ستراجع كل سياسات بن سلمان الخاطئة.
وفي هذا السياق قال اقتصاديون وسياسيون أوروبيون أن المغامرات الطائشة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إضافة الى فساده المالي ومحاربته لعرابي الاقتصاد السعودي الذين وضعهم في "زنازين الريتز"، قد اثرت بشكل كبير على الاقتصاد السعودي في الآونة الأخيرة، سياسته الهوجاء وعدم وجود الخطط والرؤى الحكومية المدروسة لمواجهة الأزمات والتقييم الصحيح للأوضاع، والتضييق الكبير على الحريات والانتهاكات السافرة لحقوق الانسان قد أدى الى هروب عدد كبير من المستثمرين الأجانب ما ينذر الى تأزم الأوضاع الاقتصادية الداخلية في السعودية بشكل كبير وخطير، وهنا يقول خبراء الاقتصاد السعودي ان هذا الهروب سوف يؤدي في القريب العاجل لاضطرابات داخلية يصعب السيطرة عليها.
وفي هذا الشأن يقول خبراء الاقتصاد في أمريكا إن هناك أسباب عديدة ادت لهروب الاستثمارات الخارجية من السوق السعودية وهي كالتالي:
1-السياسة الهوجاء والرعونة التي تنتهجها السعودية منذ عام 2015 أدت لفتح جبهات صراع غير محسوبة في المنطقة، فبدءاً من حرب اليمن التي دخلتها الرياض بتحريض من الامارات، وخسرت فيها مليارات الدولارات من خزينة الدولة "نقدا".
2-الرد الحوثي بالصواريخ البالستية التي تطال جميع الأراضي السعودية قد أقلقت المستثمرين وهرب الكثير منهم خارج البلاد، حتى انها اقلقت ال سعود بحد ذاتهم مما دفعهم الى نقل القمة العربية الأخيرة من الرياض الى الظهران.
3-الحصار الذي فرضته السعودية واذنابها على قطر ومخالفة القوانين والاتفاقيات الاقليمية والدولية، وفتح متاجر القطريين في السعودية للنهب والسرقة بسبب الأزمة السياسية، وهذا الأمر أيضا أقلق المستثمرين الأجانب، فلا قانون ولا التزام بالمعاهدات، وأي خلاف بين الرياض ودولة أخرى يعني ضياع استثمارات رعاياها في السعودية، وهذا الأمر يقلق المستثمر الأجنبي بل ويرعبه، وتعد مؤشرا مهما لمستقبل مظلم لأموالهم.
4-أما المشكلة الكبرى والتي أدت الى هروب المستثمرين الأجانب هي واقعة احتجاز المستثمرين ورجال الأعمال والأمراء في فندق "الريتز كارلتون" وابتزازهم لتعويض الخواء المفاجئ لخزينة الدولة وخاصة العملة الأجنبية، هذه مؤشرات مرعبة للمستثمرين الأجانب، فهذه ليست دولة، ولا يأمن المستثمر الأجنبي على أمواله فيها ولا حتى على نفسه، ونذكر هنا اعتقال رجل الاعمال الأردني صبيح المصري الذي اعتقل، وهو في طريقه الى مطار الرياض الدولي في السعودية لكن فيما بعد اطلق سراحه بعد دفعه فدية ذلك.
وفي هذا السياق يقول آلان فينيست، أستاذ السياسة والاقتصاد بجامعة "باريس الحرة"، في مقال له نشر الأسبوع الماضي، نذكر منها باختصار ان "السوق السعودي أصبح سوقا مشبوها، يخيف المستثمرين الأجانب، والدليل على ذلك عزوف المستثمرين عن التفاعل مع صفقة طرح 5 % من أسهم شركة "أرامكو" للنفط في البورصات العالمية، الجميع تهربوا من المغامرة بأموالهم في شركة تخضع لسلطة لا تحترم القوانين والمعاهدات الدولية، ودولة تدار وفق الأهواء والرغبات الشخصية، إلى جانب الأخبار المؤكدة عن خواء خزينة الدولة في السعودية وتأثير ذلك خلال وقت وجيز على الحياة العامة في السعودية، حتى أن عشرات الشركات الدولية الكبرى سحبت جزءا كبيرا من استثماراتها في السعودية خلال الشهور الخمسة الماضية، ووجهتها إلى دول أخرى، وهذا أمر نعرفه لكنه غير معلن بسبب عدم شفافية المعلومات في السوق السعودي وضعف البنية المعلوماتية، وهذا أمر أيضا يؤدي لهروب الاستثمار، ومشروع "نيوم" الضخم الذي يتم تسويقه أيضا يواجه الركود ولا يتفاعل أحد معه لنفس الأسباب السابق ذكرها، وهو ما يهدده تماما، والآن يواجه النظام السعودي ثمار ما ارتكبه من كوارث سياسية في المنطقة، وأصبح محاصرا بين أزمات اقتصادية داخلية ونسبة تضخم تتزايد وشعب بدأ يتذمر ويشكوا من الغلاء والأزمات الاقتصادية، وانتهاكات للحريات وملاحقة المعارضين التي تناقلتها وسائل الاعلام الغربية وأظهرت صورة السعودية على أنها سجن كبير لا يأمن المقيم فيه على نفسه، هذه الصورة بالتأكيد لا ترضي المستثمر الأجنبي، وتنسف أي محاولات لتحقيق رؤية 2030، فالسياسات العشوائية لا تتفق مع رؤية التنمية، والمستقبل الاقتصادي للسعودية مظلم بالتأكيد".
ختاما، ان الاقتصاد السعودي رهان سياسات بن سلمان الفاشلة، وامام هذه الوقائع على ما يبدو ان المواطن السعودي المتضرر الأكبر من هذه الازمة، فالرياض اليوم لا تبدو في أحسن أحوالها سياسيّاً واقتصاديّاً، المملكة النفطيّة وفق أغلب التقارير الغربيّة، تسير بخطاً غير ثابتة تتشابه إلى حدّ بعيد مع الخطوات السياسيّة الجريئة وغير المحسوبة للأمير ابن سلمان، وهنا نكرر السؤال الذي طرحناه في المقدمة مجدداً الى اين يسير بن سلمان بالاقتصاد السعودي؟