الوقت - بعد الإعلان عن استعداد كوريا الشمالية لتدمير الأنفاق النووية تحت الأرض "بين 23-25 مايو الحالي " بحضور مراسلين ومراقبين دوليين كدليل على حسن نواياها في المحادثات القادمة مع أمريكا، اجتمع يوم أمس الأربعاء مسؤولون سياسيون في بيونغ يانغ خلال لقاء رفيع المستوى مع كوريا الجنوبية احتجاجاً على المناورات العسكرية السنوية التي تجريها سيؤول وواشنطن، معتبرة أنها "استفزاز".
ومقابل ذلك عادت بيونغ يانغ إلى خطابها التقليدي مهددةً بإلغاء القمة المرتقبة بين قادة كوريا الشمالية وأمريكا في 12 يونيو المقبل في سنغافورة، إذا ضغطت واشنطن عليها من أجل التخلي عن ترسانتها النووية في شكل أحادي.
اسأل عن بولتون
واضح جداً أن كوريا الشمالية يساورها قلق كبير جداً إزاء المحادثات المقبلة مع أمريكا، خاصةً أن الأخيرة تعتمد على مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون في هذا الموضوع، والجميع يعرف بأن بولتون كان مهندس نزع السلاح النووي من ليبيا في صفقة نفّذتها إدارة بوش في العام 2003، وما حدث بعدها بحوالي ثماني سنوات كان مفجعاً لرئيس ليبيا السابق معمر القذافي الذي سلّم رقبته للأمريكي ولم يتوانَ الأخير عن ذبحه دون أن يهتز له جفن.
واليوم يعود المهندس نفسه "بولتون" ليقود صفقة جديدة مع كوريا الشمالية، تخاف بيونغ يانغ أن تكون مشابهة لتلك التي حدثت مع القذافي، لذلك ألمحت كوريا الشمالية 5 مرات خلال الأشهر القليلة الماضية بأنها لن يكون مصيرها مثل أي بلد آخر، فهل ستشهد نفس المصير إذا ما سلّمت برنامجها النووي؟!.
كوريا الشمالية قلقة
لم تخفِ كوريا قلقها من الصفقة المقبلة مع أمريكا، ويوم أمس الأربعاء أصدرت بياناً جاء فيه: "العالم يعرف جيداً أن بلادنا ليست ليبيا ولا العراق اللتين واجهتا مصائر بائسة"، وأشار بوضوح إلى إنجاز لم يقترب منه العقيد القذافي، فقد أصبحت بيونغ يانغ دولة نوويةً".
وتحدّث المسؤولون في كوريا الشمالية خلال عدة مناسبات عن التجربة الليبية، فبعد غزو ليبيا في العام 2011 خرج وزير الخارجية الكوري الشمالي ليقول: "إن نزع الأسلحة النووية عن ليبيا كان "تكتيكاً لغزو البلاد التي نزع سلاحها".
كوريا الشمالية تعتقد أن سبب سقوط نظام القذافي كان سببه تسليم برنامجه النووي، لذلك ظلّت تتغنى بيونغ يانغ بتجاربها النووية معتبرةً أنها الحل الأمثل لردع أمريكا عن غزوها، فهل ستبقى كذلك بعد المفاوضات مع واشنطن.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: يقول إن كوريا الشمالية على استعداد للذهاب لإجراء محادثات مباشرة مع أمريكا في الأسابيع المقبلة وزيادة القوة التفاوضية بهدف الحصول على مزيد من التنازلات لقبول نزع السلاح "النووي -البالستي"، ومن يؤمن بهذا السيناريو يعتقد أن واشنطن نجحت من خلال فرض ضغوطها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في السنوات الماضية في إجبار بيونغ يانغ على الجلوس إلى طاولة الحوار خدمةً لمصالح بلادها وتحسين اقتصاده.
هذا السيناريو يعتقد به بولتون الذي رأى نهاية الأسبوع الماضي أن هذا هو نموذج للكيفية التي يجب أن تسير عليها الأمور، نزع السلاح النووي الكامل، مقابل وعد بالتكامل الاقتصادي.
السيناريو الثاني: ولكن في مقابل السيناريو الأول الذي يحمل نوعاً من التفاؤل، ينبغي التحدّث عن سيناريو أكثر واقعية، لا يمكن الحفاظ على الأمن ضد التهديدات المستمرة لأمريكا الناجمة عن الوجود العسكري لهذه القوة الدولية في شرق آسيا، إلا من خلال إيجاد قوة ردع لهذه التهديدات التي تعيها كوريا الشمالية جيداً وتحدّثت عنها يوم أمس، إذ ألغت احتجاجاً على المناورات العسكرية السنوية التي تجريها سيؤول وواشنطن على حدودها، لقاء مع مسؤولين رفيعي المستوى من كوريا الجنوبية، والسؤال: إذا تكرر النموذج الليبي مع كوريا الشمالية فهل ستكون بيونغ يانغ بمنأى عن التهديد الأمريكي أو حتى تكرار التجربة الليبية، خاصةً أن واشنطن فرضت شروطاً معينة لنزع السلاح الكوري وهذا يذكّرنا بما حدث قبل عقد الصفقة مع ليبيا.
ولكون كوريا الشمالية قلقة جداً من تكرار التجربة الليبية، خرج يوم أمس نائب وزير الخارجية كيم كي غوان، مهدداً بوقف المفاوضات والانسحاب منها وأعلن في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، "إذا ما حاولت أمريكا التضييق علينا وإرغامنا على التخلي عن السلاح النووي من جانب واحد، فلن نبقى مهتمين بحوار من هذا النوع".
ختاماً؛ يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يجبر كوريا الشمالية على نزع سلاحها، لكنه في الوقت نفسه لم يتحدث مطلقاً عن الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، وما هو مصيره، وما بدر من واشنطن في الأمس من خلال مناوراتها العسكرية لا يطمئن بيونغ يانغ، وهي قلقة تجاه هذا الموضوع، حتى القادة الكوريين لا يمكنهم إخفاء هذا القلق، خاصةً أن واشنطن لم تبدِ أي حسن نية تجاه تعهداتها مع إيران فيما يخص الاتفاق النووي وانسحبت منه دون أن تهتم بالقوانين الدولية علماً أن طهران التزمت بالاتفاق حتى آخر حرف من بنوده، فهل ستثق بيونغ يانغ بوعود ترامب المقبلة، الأيام كفيلة بكشف المستور.