الوقت- سبعون عاماً من الهدم المُمنهج لمنازل الفلسطينيين بشكلٍ عام، والمقاومين والشهداء بشكلٍ خاص، هو ما تفتق عنه الذهن الصهيوني لتوسيع نطاق سيطرته من جهة، وإرهاب الفلسطينيين بهدف إبعادهم عن نهج المقاومة، وذلك لتتمكن إسرائيل من قضم الأراضي الفلسطينية المتر تلو الآخر، غير أنّ جميع تلك الإجراءات لم تزد المقاومين إلّا إصراراً على المقاومة والوقوف بوجه المشروع الإسرائيلي الذي لا يستهدف فلسطين وحدها، بل تفتيت المنطقة برُمتها.
من فمك أدينك
الهدم المُمنهج بات سياسةً إسرائيلية ولاسيما بعد نكسة حزيران، حيث هدمت قوات الاحتلال ومنذ يوم النكسة وحتى نهاية العام 2015 أكثر من ألفي منشأة سكنية أو حتى غير سكنية كالمنشآت الصناعية والزراعية الأمر الذي أدّى إلى تشريد آلاف الفلسطينيين، في حين شهد العام 2016 أكبر عملية تهجير مُمنهج للفلسطينيين بذرائع عدّة.
مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم" أكد أن عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في القدس خلال العام 2016 هو الأكبر خلال عام واحد منذ 2004، في حين أن عدد المنازل التي هدمت في الضفة الغربية يفوق ما تم هدمه في عامي 2014 و2015، الأمر الذي ردّه المركز الإسرائيلي إلى سعي الكيان الصهيوني إلى إفراغ المناطق الفلسطينية من أهلها بهدف الاستيلاء عليها وتحويلها إلى مستوطنات للإسرائيليين.
تقارير أمنية صهيونية أكدت غير مرّة أن هدم المنازل الفلسطينية لن يؤثر على وقف العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين، غير أنّ سلطات الاحتلال استمرت في نهجها هذا أملاً - وكما تقول تلك التقارير - بإيقاف تلك العمليات، ومن ناحيةٍ أخرى بهدف تجهيز الأبنية المهدمة لتكون جزءاً من مستوطنات المستقبل التي تعمل إسرائيل على توسيعها يوماً بعد آخر.
وتؤكد منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية في تقاريرها على أنّ دولة الاحتلال وبعد توقفها جزئيّاً عن عمليات الهدم في العام 2014، عادت وبقوة لمُمارسة هذه السياسة، حيث ادّعت حكومة الاحتلال خلال عدّة مداولات جرت في محكمة العدل الإسرائيلية العليا وتناولت سياسة هدم المنازل، أنّها لم تقصد التوقّف تماماً عن استخدام تلك الوسيلة وأنّها تستخدمها مع اختلاف الظروف، كما أنّها لا تجد مانعاً للعودة إلى تطبيق هذه السياسة.
إجراءات عقابيّة
شهدت الانتفاضة الثانية نقطة تحول في سياسة هدم المنازل الفلسطينية، إذ وجدت سلطات الاحتلال الذريعة الملائمة لهدم منازل الفلسطينيين، وبات هذا الهدم "مُقونناً" استناداً إلى المادّة 119 من تعليمات الدفاع "أوقات الطوارئ" التي أصدرها الانتداب البريطاني عام 1945، مع معرفة إسرائيل المسبقة بأن هذا القانون تم إلغاؤه لحظة انتهاء فترة الانتداب على فلسطين، غير أنّها لا تزال تعمل به حتى اليوم، ناهيك عن قرارات محكمة العدل الإسرائيلية العليا والتي تؤيد رفض الاعتراض الذي يُقدمه الفلسطينيون المُهددة بيوتهم بالهدم.
ويقول مراقبو حقوق الإنسان إنّ هدم المنازل طال أفراد أسَر الفلسطينيين الذين استهدفوا أو "حاولوا" استهداف إسرائيليين أو أفراد قوّات الاحتلال، مؤكدين أنّ عملية الهدم هذه تُعتبر "عقاباً جماعيّاً" محظوراً وأحد الوسائل الأكثر تطرّفاً التي تستخدمها إسرائيل، كما أنّ سياسة الهدم هذه لا تعتبر بحالٍ من الأحوال قانونيّة أو أخلاقيّة، وإنّ مصادقة قضاة المحكمة العليا عليها لا تجعل الهدم قانوني بل تجعل من القضاة والقضاء الإسرائيلي شُركاء في هذه الجريمة.
وتؤكد إحصائيات فلسطينية وإسرائيلية أنّه ومُنذ نكسة حزيران وحتى عام 2015 بلغ عدد المنازل الفلسطينية التي تعرضت للهدم كإجراءٍ عقابي وصل إلى 48488 منزلاً ومنشأة فلسطينية، وتُشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أنّ أكثر من نصف الذين تم تشريدهم على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي هم من النساء والأطفال، كما أنّ إجراءات هدم المنازل خلّفت خسائر ماديّة تجاوزت قيمتها ملايين الدولارات التي دفعها وسيدفعها الفلسطينيون.
خلاصة القول.. يؤكد الفلسطينيون أنّ سياسات الاحتلال الإسرائيلي في العقاب الجماعي لم ولن تمنحه الأمان، بل ستزيد من إصرار المقاومة الفلسطينية على مواصلة عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى يعترف بالحقوق الفلسطينية، مشيرين إلى أنّ إجراءات الاحتلال هذه إنما يستهدف فيها الوجود الفلسطيني برمّته، كما أنّه محاولة فاشلة لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة ورفع الروح المعنوية لدى جنود الاحتلال الذين فشلوا في الحد من عمليات المقاومة، كما أنها - سياسة الهدم - محاولة للتغطية على عجز قوات الاحتلال في مواجهة العمليات التي تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية.