الوقت- مصير الاتفاق النووي يشغل العالم بأسره خلال هذه الفترة نظراً لمدى حساسية هذا الملف الذي أصبح شائكاً بسبب السياسة الأمريكية المعادية لـ "إيران" والتي لا تريد لأبناء هذا البلد أن يعيشوا حياة كريمة، وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القادم من خلف مكاتب السمسرة وتجارات العقارات والذي لم يرَ في الاتفاق أي مصلحة لبلاده وتوعّد بتمزيقه، فهل يستطيع فعل ذلك؟!.
حاول ترامب ومنذ وصوله إلى السلطة اللعب على بنود الاتفاق النووي وبدأ يسعى لإقناع الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق على الانسحاب منه، ولم يكتفِ عند هذا الحدّ بل بدأ يضيّق الخناق على الشعب الإيراني وحكومته عبر فرض عقوبات متتالية الواحدة تلو الأخرى لممارسة أبشع أنواع الضغط على الدولة الإيرانية وإجبارها على الرضوخ للأمريكي، ولكن لم يفلح ترامب حتى اللحظة بتحقيق ذلك، وكان له بارقة أمل في نهاية العام الماضي عندما خرجت بعض الاحتجاجات في إيران لكنها سرعان ما تلاشت، الأمر الذي أضعف موقفه أكثر فأكثر وما يزعج ترامب أن الدول البقية المشاركة في الاتفاق لا تريد الانسحاب منه وتحثّ الرئيس الأمريكي ليل نهار على التراجع عن قراره بالانسحاب، ولهذا السبب سيزور الرئيس الفرنسي ماكرون أمريكا في الأيام القليلة المقبلة لحثّ ترامب على عدم التخلي عن الاتفاق النووي.
ما هي نقاط القوة التي تملكها إيران ولماذا يخشى الغرب الانسحاب من الاتفاق النووي؟!
إيران تلتزم حتى اللحظة بجميع المواثيق الدولية والقانون الدولي وتلتزم أيضاً ببنود الاتفاق ولا تريد بأي شكل تأزيم الأمور في العالم علماً أن واشنطن تدفعها لذلك، ولمن لا يعلم طهران اليوم في موقع قوة وليست بموقع ضعف ولديها الكثير من أوراق الضغط، ورغم ذلك التزمت الصمت والتحرّك الناعم مع الجانب الأوروبي خلال الفترة السابقة.
الغرب يعلم جيداً أن الانسحاب من الاتفاق يعني حدوث كارثة في المنطقة وخطر تسلح عالٍ لن تسلم منه أوروبا برمتها، واليوم نشرت صحيفة سودويتشه تسايتونغ الألمانية، أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، جنباً إلى جنب مع أمريكا وضعوا الشروط التي بموجبها لن يخرج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وهذا يؤكد أنهم يعلمون جيداً ماذا يعني الانسحاب من هذا الاتفاق.
وبحسب الصحيفة، فقد اتفق المفاوضون الأوروبيون وأمريكا بعد خمس جولات على أن إيران يجب أن تُهدد بفرض عقوبات جديدة على تجاربها الصاروخية والسياسة الإقليمية العدوانية، لكن الاتفاقية النووية ستبقى كما هي، على الرغم من أن بعض أجزائها سيتم تفسيرها بطريقة جديدة.
قد لا يعجب هذا الكلام الطرف الإيراني الذي توعد أمريكا بردود غير متوقعة في حال الانسحاب، وتحدّث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف عن ثلاثة سيناريوهات محتملة أمام إيران في حال انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.
جاء كلام ظريف عن هذه السيناريوهات الثلاثة مع مجلة "نيويوركر" الأمريكية، حيث أوضح ظريف أن "السيناريو الأول هو أن تنسحب من الاتفاق النووي أيضاً، وأن تنهي التزامها بمضمون الاتفاق وتستأنف تخصيب اليورانيوم بقوة".
أما "السيناريو الثاني يستخلص من آلية الخلاف والنزاع في الاتفاق النووي، حيث تسمح لجميع الأطراف تقديم شكوى رسمية في اللجنة التي تم تشكيلها للبت في انتهاك مضمون الاتفاق"، وقال الوزير الإيراني إن "السيناريو الثالث هو الأكثر جدية وقوة، حيث إن إيران من المحتمل أن تتخذ القرار بشأن الانسحاب من معاهدة "إن بي تي" (الحد من انتشار الأسلحة النووية)، فهي من الموقعين على هذه المعاهدة".
إلى أين تتجه الأمور؟!
في الواقع الأمور تتّجه إلى إبقاء ترامب على الاتفاق النووي في الظاهر مع إفراغه من محتواه في المضمون، أي فرض عقوبات كالعقوبات النووية على إيران ولكن تحت ذرائع "الصواريخ البالستية وخطرها على المنطقة" وحضور إيران في المنطقة.
ولمن يتذكر فقد حذّر قائد الثورة الإسلامية، من الغدر الأمريكي وقال قبل الاتفاق إن المسألة ليست اتفاقاً نووياً، بل سينتقل الأمريكي إلى ملفات أخرى بعد إنهاء الاتفاق، إلا أنه لم يقف أمام تطلعات الرئيس الروحاني التي كانت تهدف لتحصين النظام من زاوية اقتصاديّة معتقداً أن وجود أطراف عالمية سيمنع أمريكا من انتهاك الاتفاق. هذه الخطوة أثبتت للشعب الإيراني مجدّداً، ولاسيّما الشباب الجدد الذين سمعوا بالحرب المدعومة أمريكياً، وقرؤوا وثائق وكر التجسس (السفارة) في التآمر على الداخل، هؤلاء اليوم عاشوا هذه التجربة التي ستدفع بالمجتمع الإيراني إلى إبراز العداء للقيادة الأمريكية لعقود قادمة.
أوروبا ستكون أمام خيارين إما السير مع أمريكا وترامب والتخلي عن التزاماتها مع ايران، أو المواجهة مع أمريكا وهذا أمر من المستبعد أن يحصل ولاسيّما في ظل تضعضع الاتحاد بعد خروج بريطانيا، وسعي بعض الدول للعودة إلى منطقة الشرق الأوسط التي خسروها لمصلحة إيران وروسيا.
الخلاصة، ترامب لن يجرؤ على الانسحاب من الاتفاق النووي، وسيكرّر التجربة الإعلامية في العدوان على سوريا، أي يرفع السقف عالياً عبر دبلوماسيّة التويتر، ليصطدم بالواقع الأمريكي والغربي قبل الإيراني.
خطّة ترامب تقضي بالاتفاق على العقوبات عبر فرض عقوبات جديدة تحت مسميات أخرى.