الوقت- صمت دهراً ونطق كفراً، ربما هو التوصيف الأبرز لصاحب عبارة "أهنئ المجتمع الإسرائيلي بعيد الاستقلال"، إذ لم تخرج هذه التهنئة على لسان مسؤول غربي أو أحد قادة منظمة "أيباك" اليهودية المتطرفة، لكنها خرجت هذه المرّة من إعلامي وباحث سعودي مُقرّب من الديوان الملكي هو عبد الحميد الحكيم، وذلك في خطوة جديدة تصُبُّ في خانة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وفي تأكيد على ما صرّح به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قال سابقاً إنّ بلاده تتقاسم المصالح مع "إسرائيل".
تطبيع ممنهج
تصريحات الحكيم الأخيرة لا تتعدى كونها نوعاً من التطبيع العلني مع إسرائيل، ومن ناحيةٍ أخرى تمهيداً وتحضيراً للمجتمع السعودي لقبول "دولة إسرائيلية" في المنطقة وعاصمتها القدس، فالمراقب لسيل التصريحات السعودية ومنذ وصول ابن سلمان لولاية العهد يلحظ ومن دون أدنى شك أن حُكام السعودية يسيرون في هذا المجال، ولعلّ كلمة الملك السعودي في قمّة الظهران أكبر دليلٍ على ذلك، فمع غياب شمس القمّة غابت معها مدينة القدس الموحدة كعاصمة لفلسطين، فمن الآن وصاعداً لا حديث عن القدس بل عن قدسٍ شرقية وحسب، هكذا أراد آل سعود لفلسطين أن تكون، وهكذا أرادوا للقدس أن تُقسم، أرادوا أن يترسخ في الوعي الجمعي للعرب عامة وللفلسطينيين خاصةً أنّ القدس ليست كلها فلسطينية إنّما جزء منها فقط، والجزء الآخر بات بعرف آل سعود يهودي الهوى والهوية، ومن حق عابري الحدود أن يُقيموا فيه عاصمتهم الأبدية، ومن حق العم سام أن ينقل سفارته إليها.
تصريحات الحكيم تلك لم تكن الأولى من نوعها، فعلى سبيل المثال يؤكد الحكيم وهو الذي يُعرّف عن نفسه بـ "مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط سابقاً" على أنّ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من شأنه نقل المنطقة وشعوبها من حالة الفوضى إلى الاستقرار والسلام، وكأنّ "الإسرائيليين" ليسوا هم من يقومون بإثارة الفوضى في المنطقة بقتلهم الممنهج للفلسطينيين أولاً، ولأي مبادرةٍ عربية للسلام ثانياً والتي كان آخرها ما يُعرف بـ "المبادرة العربية" والتي تقدمت بها السعودية أيضاً، والتي ذهبت ونتيجةً للتعنت الإسرائيلي أدراج الرياح.
مشاريع خُلبيّة
تصريحات الحكيم اليوم جزء من الهرولة نحو الاعتراف بدولة "إسرائيل" وعاصمتها القدس، ومن ناحيةٍ أخرى الضغط على السعوديين للقبول بهذا الواقع الذي أراده ابن سلمان، مع إيهام السعوديين بوجود آلاف المشاريع التي من شأنها أن تنهض بالمجتمع السعودي الذي أنهكه الفقر والضرائب وتسلط الطغمة الحاكمة.
مشاريع ابن سلمان الطموحة "شكلاً" والتي حاول من خلالها استرضاء الشارع السعودي عامةً، والشباب بشكلٍ خاص؛ واهماً إياهم بأنّ هذه المشاريع من شأنها أن تَحُلَّ كل مشكلاتهم؛ فُرِّغت من مضمونها بعد الصفقات الضخمة التي عقدها ابن سلمان والتي أفرغت خزائن السعودية بعد نقل جميع تلك الأموال إلى خزائن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، الأمر الذي أوصل الاقتصاد السعودي إلى مواجهة مشكلات كبيرة بالإضافة إلى العجز في الميزانية خلال السنوات التي تحكّم فيها ابن سلمان بالاقتصاد السعودي.
رفض شعبي
تغريدات المسؤولين السعوديين التي لن يكون آخرها ما قاله الحكيم، تلاقي وعلى الرغم من الضغط الحكومي ردّات فعلٍ غاضبة، إذ عبّر عدد كبير من المُغردين السعوديين عن سخطهم لما قاله الحكيم، مُعبرين عن رفضهم لأيِّ نوعٍ من التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتأتي تصريحات السعوديين على موقع تويتر لتُعبر عن حالةٍ من الرفض الشعبي العام للتطبيع، ومما جاء على تويتر ما قاله حكم دريد: "إنك منبطح ورأيك يعتبر خيانة".
بدوره المُغرد دخيل الناصر قال في تغريدةٍ له: "نحن أولى منهم بداود وسليمان وموسى عليهم السلام لأننا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام ومحمد امتداد للسلسلة الإبراهيمية التي حملت نور الحق المبين، أما طرح معظم مثقفي العرب هو الذي أغواك عندما اعتبروا القضية قضية أرض يستحقها أول من استوطنها على اعتبار أنهم الكنعانيون"، أما المحامي فيصل الشامري قال في تغريدةٍ له: "هذا دسيسة ومطية للصهاينة".
بدوره قال المُغرد محمد بو براك: "عليك أن تكون شجاعاً وتطالب بتسليم خيبر لليهود حتى لو كانوا يهود كوستاريكا، لأنها قبل الإسلام كان يقطنها اليهود، واطرد أهلها الذين دخلوا الإسلام منها لأنها ليست أرضهم بمجرد تحولهم للإسلام، هل تستطيع أن تطالب بذلك، كي نعرف حسن نيتك من سوئها، طبعاً ستدفن رأسك في الرمال".
أما المُغرد مبارك بن حويل قال: "هذا الرويبضة الباحث عن الشهرة والدولار حتى لو كان الثمن ناراً يصلاها، خاب وخسر وربّ الكعبة عقلية غبية حقيرة".
ختاماً، فعلى الرغم من سعي آل سعود المحموم للتطبيع مع كيان الاحتلال؛ إلا أنّهم لن يجنوا من سعيهم شيئاً، فحتى لو استطاعوا تطويع المجتمع السعودي وهو أمرٌ مُستبعد، فإنّ إسرائيل وبعد أن ينتهي دور آل سعود في اللعبة التي تُحيكها هي نفسها ستَرمي بهم إلى سلّة المهملات، ولن يلقوا منها أي دعمٍ بعد انتهاء الدور الذي رُسِمَ لهم.