الوقت- دائماً تخبرنا السياسة الغربية بأنه لا توجد معايير لأي شيء، وبأن كل شيء قابل للتغيير بين ليلة وضحاها فمن الممكن أن تتغير المواقف تبعاً للمصالح، واليوم فرنسا التي تبحث عن موطئ قدم لها في الشرق الأوسط تمارس هذه السياسة مع سوريا ورئيسها الأسد.
وفي الوقت الراهن تمارس فرنسا سياسة تصعيدية تجاه دمشق علّها تحظى برضا العم سام، فبعد أن شاركت فرنسا في قصف سوريا يوم السبت الماضي، خرجت علينا اليوم الرئاسة الفرنسية لتخبرنا بأنها بدأت بإجراءات تجريد الرئيس السوري بشار الأسد من وسام جوقة الشرف، وهو أعلى الأوسمة الحكومية الفرنسية.
ونقلت "فرانس برس" عن مصدر في قصر الإليزيه، مساء أمس، الإثنين، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدأ إجراءات ترمي إلى تجريد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من وسام "جوقة الشرف"، الذي قلّده إياه الرئيس الأسبق، جاك شيراك، في العام 2001.
وقال المصدر إن "الإليزيه يؤكد أنه تم بالفعل إطلاق إجراء تأديبي لسحب وسام جوقة الشرف من بشار الأسد".
يكمل المصدر ذاته بالقول، جاء تخصيص الوسام، منذ العام 1802، كالتفاتة من بونابرت لتمجيد "الاستحقاق" داخل المجتمع الفرنسي الثوري، الذي سعى إلى التخلص من كل أشكال التمييز الطبقي.
ويعتبر وسام "جوقة الشرف"، أعلى تكريم رسمي في البلاد.
ومنحت فرنسا وسام "جوقة الشرف من مرتبة الصليب الأكبر" (أعلى رتبة في الوسام) إلى الرئيس السوري بشار الأسد عام 2001، خلال عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، الذي كان ينظر للأسد، كأمل وصاحب مشروع إصلاحات للشعب السوري.
وكان البروفيسور الجامعي المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط، جان بيير فيليو، تقدم برسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالباً منه سحب وسام جوقة الشرف من الأسد.
وقال فيليو في رسالته التي نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "لم يعد هناك شك في أن منح بشار الأسد ذلك الوسام كان عملاً مخزياً، بالنظر إلى سلوكه (المخل بالشرف)، ولا بد من محاكمته على جرائمه أمام المحكمة الدولية".
ومنحت فرنسا أيام الرئيس الأٍسبق شيراك الرئيس الأسد جائزة جوقة الشرف لأسباب سياسيّة، حيث كان الرئيس شيراك الذي يمتلك علاقات قويّة مع لبنان عبر رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري يسعى للدخول إلى الملعب السوري بقوّة وكان يريد حينها أن يكون وصياً على الرئيس السوري الشاب، ويبحث عن تحويل الإدارة السياسة للبلاد في سوريا والتي تتناغم إلى حد ما مع النموذج السوفييتي إلى إدارة على الطريقة الفرنسية. وأخذت حملات من الخبراء الفرنسيين تحط في دمشق، بدعوة من الرئيس بشار الأسد، لإجراء حسابات عامة واقتراح إصلاحات ضريبية ومالية واقتصادية... ومن بينهم كانت مديرة المدرسة الفرنسية الوطنية للإدارة، ماري فرنسواز بشتيل التي ساعدت ببناء مستنسخ محلي وهو المعهد الوطني للإدارة.
ولكن هذا الكلام لم يستمر طويلاً خاصة مع غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في العام 2003، كون فرنسا انخرطت حينها مع السياسة الأمريكية وأيدت غزو العراق في حين كانت تعارض سوريا ذلك، ومن ثم جاء ساكوزي وأراد تحسين العلاقات من جديد لكن ذلك أيضاً لم يستمر لكون العروض التي قدّمها للرئيس الأسد حينها تخالف السياسة السورية ومسارها في الدفاع عن قضايا الأمة، ولذلك نجد سوريا اليوم تدفع ثمن هذا العناد بالتخلي عن مشروعها المقاوم.
تسييس الجوائز
الرئيس الأسد ليس أول شخص يسحب منه هذا الوسام، خاصةً أنه ومنذ 2010 أصبح تجريد الشخصيات الأجنبية من وسام الشرف أمراً أكثر سهولة، بعدما صدر مرسوم يجيز تجريد كل شخص أجنبي من هذا الوسام إذا "ارتكب أعمالاً منافية للشرف"، وبموجب هذا المرسوم، سُحب هذا الوسام من الدرّاج الأمريكي، لانس أرمسترونغ، والمصمّم البريطاني جون غاليانو.
ومن هنا نجد أن تسييس الجوائز لا يختصر من قبل الغرب على السياسة فقط، بل يشمل جميع المجالات الأخرى ولاسيما الفن، ونجد هذا الأمر بارزاً في الجوائز التي تمنحها هوليوود للفنانين في حفل الأوسكار، ولمن لا يعلم لم تمنح إدارة الأوسكار لأي فنان أسود جائزة الأوسكار حتى العام 2002 ، أي منذ 15 عاماً فقط، أي بعد 74 عاماً كاملة على تدشين الجائزة، وحصلت عليها هال بيري كأفضل ممثلة رئيسية عن دورها في فيلم "Monster’s Ball". وقالت بيري في خطابها: "هذه لحظة أكبر مني بكثير، إن هذه الجائزة هي لكل امرأة مجهولة الهوية، مُحررة من الألوان التي تمارس عليها عنصرية بها، فإن الباب قد فُتح اليوم".
والأرقام والأسماء في هذا المجال لا تعد ولا تحصى، حيث لا توجد معايير واضحة لإعطاء هذه الحوائز، بل تستخدمها واشنطن والعديد من الدول الغربية لدفع الطبقة المثقّفة من فنانين ومطربين في السير على خطاهم.