الوقت- يبدو أن المجتمع الدولي كان منشغلاً الأسبوع الماضي بقضية "سوريا" فقط، حيث أصبحت قضايا مثل "الهجوم الكيميائي على دوما السورية"، "إمكانية صراع أمريكا مع روسيا"، و"الهجوم على حكومة بشار الأسد"، هي الأكثر تداولاً من قبل المحللين والخبراء، وكذلك المواطنين العاديين، وخاصة عبارة "حرب القرارات في مجلس الأمن".
في الواقع، منذ نشر خبر وقوع هجوم كيميائي في دوما في 8 أبريل، 2018، بدأت موجة من الجهود الغربية والروسية لتمرير قرار في مجلس الأمن حول الحادث، وعلى الرغم من حقيقة أنه عند اندلاع الهجوم، أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن الأمم المتحدة لم تتأكد من استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، ولكن موجة الاتهامات بدأت من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ضد الحكومة السورية التي تتعاون موسكو معها، وقد أدى ذلك إلى تقديم سلسلة من مشاريع القرار المُقترحة من قبل دول مجلس الأمن خلال الأسبوع الماضي والتي يمكن تسميتها بـ "حرب القرارات".
الجزء الأول: عقد اجتماع طارئ بناء على طلب تسعة أعضاء في مجلس الأمن
تم عقد أول اجتماع لبحث قضية سوريا في 9 أبريل 2018، والذي تم بناء على طلب تسعة أعضاء في مجلس الأمن هم بيرو وبولندا والكويت وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وهولندا والسويد وساحل العاج.
وفي هذا الاجتماع، أعربت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، عن رغبتها في إجراء تصويت في مجلس الأمن حول صياغة مشروع قرار أمريكي يهدف لإجراء تحقيقات جديدة لتحديد أسباب استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، كما اتهمت روسيا بدعم الحكومة السورية، بالإضافة إلى ذلك، قال المندوب البريطاني في مجلس الأمن: إن روسيا وضعت نصب عينيها على سياساتها في سوريا، لكنها في الوقت نفسه ستطيل عمر الحرب في ذلك البلد.
كما أكد المندوب الفرنسي: ستتحمل فرنسا جميع مسؤولياتها في مجال عدم انتشار الأسلحة الكيميائية، ووفقاً للمندوب الفرنسي، لم يكن بإمكان هذه الأمور الحدوث من دون دعم روسيا وإيران، وليس هناك شك في أن النظام السوري متورط في الهجوم على دوما.
ورداً على هذه الادعاءات، قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا: "إن الغرب يدعم الإرهابيين في سوريا، وفرنسا وأمريكا وبريطانيا يقفون في الخط المقابل لروسيا ويهددونها دون خجل، وأضاف إن الإرهابيين يملكون مواد كيميائية في سوريا، ولم يحدث أي هجوم كيميائي في دوما"، ودعا خبراء الأسلحة الكيماوية للذهاب إلى دمشق يوم الثلاثاء لإجراء بحث حول الحادث.
الجزء الثاني: فيتو أمريكا وروسيا في مجلس الأمن
الجزء الثاني من حرب القرارات بين روسيا وأمريكا كان في يوم الثلاثاء 10 أبريل 2018، أي بعد يوم واحد فقط من فشل الجولة الأولى لاجتماع مجلس الأمن حول موضوع الهجوم الكيميائي على دوما، وفي هذا الاجتماع، استخدم المندوبون الأمريكيون والروس حق الفيتو المشترك ضد مشاريع القرار المقترحة لكليهما، كما تم نقض ثلاثة مشاريع قرار، واحد من أمريكا واثنان من روسيا.
وفي البداية، قدمت المندوبة الأمريكية نيكي هالي مشروع قرار للولايات المتحدة، تم التأكيد في صياغة مشروع قرار أمريكا على إنشاء لجنة مستقلة تابعة للأمم المتحدة لمدة عام واحد، لجمع المعلومات وتحليلها، وجمع نماذج عن الجرحى ومناطق النزاع، والسماح للفريق الطبي بالذهاب إلى المنطقة ومحاولة التعرف على عوامل الهجوم.
لكن قوبل مشروع القرار هذا بامتناع الصين عن التصويت ورفض بوليفيا له، ما أدى إلى رفضه في نهاية المطاف من قبل روسيا، وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبنزيا، "إن هذا الاجتماع لا علاقة له بالتحقيق، لأن الفريق قد حدد بالفعل الطرف المذنب، إنهم لا يحتاجون إلى فريق بحث نحن موجودون في سوريا بناء على طلب الحكومة السورية، لكنكم هناك بناء على دعوة الإرهابيين".
الجزء الثالث: "تهديد السلم والأمن الدوليين"
الجزء الثالث من حرب القرارات في مجلس الأمن، كان في يوم الجمعة، 13 أبريل 2018 بناء على طلب من روسيا والصين وبوليفيا، بعنوان "تهديد السلم والأمن الدوليين" لبحث تهديد أمريكا وفرنسا وبريطانيا لسوريا.
وبناء على هذا الطلب، دعت روسيا والصين وبوليفيا إلى التحقق من التهديد العسكري ضد دولة مستقلة من قبل الرئيس الأمريكي باعتباره تهديد للسلم والأمن الدوليين. كما دعوا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لحضور الاجتماع لرفع تقرير عن الوضع في سوريا وتبعات التوتر المتزايد فيها. وقال المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نبزينيا في الاجتماع، إن التهديد العسكري لدولة مستقلة مخالف للقانون الدولي، مضيفاً "لا ينبغي أن يتكرر سيناريو العراق وليبيا في سوريا".
الجزء الرابع: استمرار حرب القرارات بعد الهجوم الصاروخي لأمريكا وحلفائها على سوريا
اُقيم الاجتماع الرابع من حرب القرارات يوم السبت 14 أبريل 2018، بعد غارات العدوان في سوريا، وفي هذا الاجتماع، قدّم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو إلى إدانة العدوان الأمريكي والبريطاني والفرنسي لسوريا، إذ صوتت روسيا والصين وبوليفيا بالقبول، مع رفض 8 أعضاء وامتناع أربع دول عن التصويت من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن.
وبعد الإخفاق في التصويت على هذا القرار، صدرت تقارير يوم الأحد من هذا الأسبوع تقول بأن أمريكا وفرنسا وبريطانيا، قد أعدّوا مشروع قرار جديد للتحقيق في الهجوم الكيميائي في سوريا، ووفقاً لهذا المشروع المشترك، فإنهم يريدون إرسال مساعدات إنسانية ووقف إطلاق النار وإلزام سوريا بمحادثات سلام يترأسها مجلس الأمن، وبشكل عام، تشير عملية حرب القرارات في مجلس الأمن إلى أنه من المحتمل أن يواجه هذا القرار فيتو موسكو.
ومع ذلك، أظهرت مجريات مجلس الأمن الدولي خلال الأسبوع الماضي أن المجتمع الدولي يعاني الآن نوعاً من الإحباط والخيبة في إدارة النظام الدولي، وأن مجلس الأمن، الذي يعتبر حارس النظام والأمن الدوليين قد أصبح الآن مكاناً لخلق الزعزعة وعدم الاستقرار على المستوى العالمي.
ويبين الاتجاه الحالي أن أساس خطة مجلس الأمن وتعيين خمس دول هم بمثابة شرطة دوليين، كأعضاء دائمين في المجلس يتمتعون بامتياز خاص لحق النقض، خطة فاشلة وغير ناجحة في صون السلام والاستقرار الدوليين وحل القضايا الدولية الرئيسية (في الوقت الذي يوجد فيه اختلاف في الآراء والمصالح بين القوى العظمى).