الوقت- فجر هذا اليوم "14/4/2018" أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضوء الأخضر لبدء العدوان على سوريا، لكن هذه المرة لم تكن بلاده وحدها المعتدي على دمشق بل جلب معه صديقين تابعين ليشاركاه في الجريمة، وعلى هذا الأساس بدأ العدوان الثلاثي على سوريا بقيادة أمريكية ومشاركة بريطانية - فرنسية وتحليق إسرائيلي في الأجواء لمراقبة ما يجري.
الإسرائيلي كان ينتظر لحظة النشوة بتدمير أكبر قدر ممكن من البنى التحتية لمؤسسات الدولة السورية وخاصة العسكرية منها، ولكن من سوء حظ الإسرائيليين أن العدوان جاء "مخصيّاً" ومخجلاً بالمعنى العسكري، خاصةً أن من شنّه يمثلون رموز الاستعمار القديم في المنطقة ويمتلكون من المقدرات ما لا يملكه أحد، ورغم ذلك كانت النتيجة "صفر خسائر"، ما السبب يا ترى؟!، هل يمثّل العدوان "فشة خلق" أم "استعراض عضلات" أم محاولة لكسر العظم السوري بعد تحقيق هذا الزخم من الانتصارات؟!، وهل فرنسا وبريطانيا "نادمتان" على المشاركة بهذا العدوان بعد أن تكلّم الصديق والعدو عن فشله ونتائجه المخجلة؟!.
ماذا استهدف العدوان الثلاثي؟!
تحدثت المصادر العسكرية السورية عن استهداف صواريخ "أمريكية – بريطانية - فرنسية" لعدد من المواقع في محيط دمشق وريف حمص، إلا أنها تركّزت على مركز البحوث في برزة بدمشق.
وقال التلفزيون السوري إن القصف أدّى إلى تدمير مبنى يحتوي على مركز تعليم ومخابر علمية، بينما "اقتصرت الأضرار على الماديات"، وبحسب مصادر عسكرية سورية نقلت عنها قناة روسيا اليوم، فقد استهدف العدوان كلّاً من "الحرس الجمهوري اللواء 105 - دمشق، وقاعدة دفاع جوي - جبل قاسيون دمشق، ومطار المزة العسكري - دمشق، ومطار الضمير العسكري".
طبعاً عدد الصواريخ التي وجهها العدوان الثلاثي على سوريا وصل إلى 120 صاروخاً "حديثاً وذكياً وجميلاً" مثلما تحدث ترامب، لكن الدفاعات الجوية السورية حولت هذه الصواريخ الذكية والجميلة إلى غبار وأظهرت للعالم قبح صواريخ ترامب والقارة العجوز مجتمعين، حيث تمكّنت الدفاعات السورية من إسقاط ثلثها في مشهد لن يراه ترامب مجدداً إلا في سينما هوليوود، لأن ما فعله الجيش السوري بالصواريخ الأمريكية لن يستوعبه ذكاء ترامب في المدى القريب، وسيكون له آثار وتبعات على جميع العلاقات الأمريكية، لأن ما حدث في الحقيقة كان مؤلماً للجانب الأمريكي الذي سيتبع سياسة النعامة في الفترة المقبلة.
وكان لافتاً جداً القدرة والجهوزية العالية للجيش السوري، الذي تعامل مع العدوان بمنتهى الذكاء والحرفية حيث أخلى جميع الأماكن المستهدفة قبل بدء العدوان وبقي على أهبة الاستعداد وأثبت مدى قدرة هذا الجيش في التصدي لأي عدوان مقبل مهما جاء مباغتاً، وأوضح للجميع أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية "أف 16" لم يكن طفرة عسكرية، بل جاء من خلال منظومة دفاعية جوية سورية تثبت قدرتها على التصدي والردع بشكل لا يستهان به أبداً، علما أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت أنها لم تشارك في صدّ هذا العدوان فكيف لو شاركت؟!.
الأبعاد والتداعيات
أولاً: في كل مرة يثبت ترامب مدى جهله في السياسة الدولية ويثبت أكثر بأن قوانين التجارة لا يمكن أن تطبق على كل شيء في الحياة، ترامب جاء ليحفظ ماء وجهه ووجه الإرهابيين الذين أخرجتهم الدولة السورية من محيط العاصمة دمشق في الغوطة، ويحاول جاهداً إثبات مدى قدرة بلاده في حمايتهم والحفاظ على بقائهم والثأر لهم، لكن ما حدث بعد العدوان اليوم أسقط المعادلات الأمريكية والغربية برمتها من المنطقة ويمكن أن نقول بأن ترامب سقط مرتين، الأولى عندما أخرج الجيش السوري المسلحين المدعومين من قبل السعودية وأمريكا من الغوطة ليأمن العاصمة بأكملها، والثانية عندما أطلق هذا العدوان الذي لن يستطيع تحمل تداعياته بسهولة.
ثانياً: لا أعلم إلى أي مدى يمكن شكر ترامب وهل يمكننا قول ذلك، لأن "الرجل" في الحقيقة أعطى شحنة نصر غير متوقعة للجيش السوري وللشارع السوري الذي خرج منذ الصباح الباكر إلى الساحات ليحتفل بالنصر وبصدّ جيشه البطل للعدوان الثلاثي، ورفع المواطنون السوريون أعلام بلادهم إلى جانب علم روسيا وإيران في الساحات العامة، والأهم من هذا أن ترامب وحّد صفوف محور المقاومة على جميع المستويات والجبهات، لأن ما حدث في سوريا اليوم هو بداية النهاية للهيمنة الأمريكية- الغربية.
ثالثاً: لماذا شاركت فرنسا وبريطانيا في هذا العدوان وما هدفهما منه؟!، يمكننا القول بأن باريس ولندن لا تستطيعان استيعاب كونهما خارج التأثير العالمي في الوقت الراهن والدفع الذي تقومان به لا يجدي نفعاً فموازين القوى تغيرت، وطموح ماكرون لوحده لن يكون له القدرة على تغيير الحقائق، وإذا كان يريد إرضاء السعودية لكي توقّع معه صفقات أسلحة وغيرها لن يحظى بذلك لطالما هناك علاقة غرامية بين ابن سلمان وإدارة ترامب الحالية، وكان الأجدى به أن يساهم من منصبه بإنهاء الحرب لا بإشعالها، أما بريطانيا التي تعاني من مشكلات اقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وتبعات هذا الخروج تريد أيضاً أن يكون لها حصة من "كعكة الشرق الأوسط" وتجاهل ترامب لها وتواصله مع ماكرون عوضاً عن تيرزا ماي أشعل الأخيرة وجعلها تشعر بأنها أصبحت على الحياد، لذلك لا بدّ من تسجيل الحضور في هذا المحور المعادي لسوريا، لكن لا تعلم ماي بأن زمن التأثير على الدولة السورية ولى إلى غير رجعة وبأن النصر قادم لا محالة بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا.
إطلاق ترامب لهذا العدوان الثلاثي مثل محاولته الأخيرة في الدفاع عن مشروعه هناك ولكونه يعلم جيداً وفق الأرقام والوقائع أن أتباعه في سوريا خسروا جميع أوراقهم ولم يعد لهم أي ثقل يذكر في تلك البلاد، قرر توجيه ضربة عسكرية علّها تجدي نفعاً وتعيد ما بقي من ماء الوجه، لكن ما حدث كان كالفاجعة بالنسبة لترامب، واليوم وبعد أن سقط الوكيل والأصيل نقول "مباركٌ لسوريا نصرها".