الوقت- في خطوة قلّ نظيرها في بلاد الأرز أطلّ الأمين العام لحزب الله منذ أيام، معلناً عن برنامج الحزب للانتخابات النيابية اللبنانية المزمع عقدها في أيار المقبل. برنامج متكامل انتظره حلفاء الحزب كما الخصوم، وأنصت إلى كلماته جمهور المقاومة حرفاً حرفاً، فصادق الوعد في ميادين القتال، يستحيل أن تغيّره زواريب السياسة، أو أن ينجرّ مع سيل الشعارات الانتخابية.
فما جديد برنامج الحزب الانتخابي؟ ما الذي يميّزه عن سائر البرامج؟ وكيف تلقّاه الشارع اللبناني؟
أكد السيد نصر الله أن "البرنامج الانتخابي للحزب في الانتخابات القادمة يركز على العديد من العناوين التي يريد من خلال وجوده البرلماني أن يعمل على تحقيقها"، مشيراً إلى أن "الانتخابات النيابية في لبنان تشكل فرصة جدية لإعادة إنتاج سلطة وطنية"، معتبراً أنه "صار لزاماً على الجميع أن يتعاطوا مع قضية مكافحة الفساد في جميع مؤسسات الدولة باعتبار الموضوع أحد أهم أسباب دفع البلد إلى الكارثة".
حرب على الفساد
من الواضح أن هذا الكلام يخفي بين طياته إعلاناً للحرب على الفساد الداخلي، فالحزب الذي لم يدخل حرباً إلا وخرج منتصراً، قرر اليوم، على لسان أمينه العام، وبتوقيت الانتخابات اللبنانية، أن يدخل في حرب الفساد، وينظف زوايا الدولة، علّه يستطيع أن يعيد بناء بعض ركامها.
وكان لكلام السيد نصر الله وقع كبير في الداخل اللبناني، فغاص كثيرون في تحليل أبعاده، ليرى البعض أن محتوى الورقة التي قدّمها الأمين العام لحزب الله، تحت عنوان البرنامج الانتخابي أكبر بكثير من مواصفات برنامج انتخابي. واعتبروها "وثيقة اقتصادية اجتماعية" لا تقل أهمية عن "الوثيقة السياسية" التي أطلقها عام 2009 لتقديم رؤيته السياسية المتعلقة بلبنان كوطن نهائي. والوطن النهائي يستلزم "اجتماعاً نهائياً" "اقتصاداً نهائياً" و"عدلاً نهائياً" و"تربية نهائية"، وإلا فلا دولة ولا وطن. فأي دولة وأي وطن يمكن أن يقام دون اجتماع واقتصاد وعدل وتربية، وكل ذلك لا يمكن بناؤه في ظل فساد منتشرٍ، وعدل غائب. طارحين السؤال الأهم: ما قيمة المقاومة المسلحة إذا طردت المحتل من الباب فدخل من الشباك.
كلام بعيد عن الشعارات الانتخابية
وحول تأكيد السيد نصر الله التزام الحزب ببقائه "تنظيماً وحزباً نظيفاً وغير متورط بأي فساد أو هدر"، ومطالبته كل مَن لديه أي معطيات أو شكوك حول تورط أي مسؤول في حزب الله بفساد، أن يقدّم الأدلة، لأن "الحزب مصمم على الحفاظ على نقاء مسيرته"، وتصريحه أنه سيتابع إطار مكافحة الفساد "بشكل شخصي" لأن لبنان اليوم أمام مرحلة خطرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وتحذيره من أن "هذا الخطر يؤثر على وجود الدولة والبلد إذا استمر الوضع على هذا النحو"، رأى مهتمّون أن الحزب الذي تناول في برنامجه موضوع مكافحة الهدر والفساد وأخذه البعض بمثابة ترويج انتخابي مع المروّجين، لم تكن مقاربته الأهم في البرنامج، مطالب ووعود شعبية بعينها. إنما هي مقاربة رؤية ليست آنية ولا انتخابية بل تفتح أبواب ورشات العمل بعد الانتخابات نحو أسس إعادة بناء الدولة من قاعدة الهرم الاجتماعي إلى أخمص رأسه.
كذلك اعتبروا أن حزب الله لم يتبنَّ مقولات الإصلاح المدرجة في الخطاب السياسي ردحاً طويلاً من الزمن، بشأن إلغاء المحاصصة الطائفية وتغيير النظام السياسي وما شابه. فهو قد تعرّض للتحريض الطائفي، والانقسام المذهبي على شفا الحرب الأهلية بتهمة المساس بالمقدسات لمجرد دعوته لجمعية تأسيسية وإصلاحات دستورية. ولم يقف عند الحائط المسدود بل وجد بداية منفذ آخر لرؤية الإصلاح في المسألة الاجتماعية لإصلاح دور الدولة وصلاحياتها وليس إصلاح شكل الحكم فقط وتقاسم السلطة.
دولة رعاية وعناية
وتحت عنوان السياسات الاقتصادية والمالية يتطلّع الحزب إلى دولة رعاية وعناية، لا دولة جباية وسيطرة، دولة تقلّص الفوارق بين فئات المجتمع وتوفر الخدمات الأساسية والاجتماعية على أسس شفافة وعادلة، دولة تعتمد نظاماً اقتصادياً قائماً على العمل والإنتاج، لا على الريع والمضاربة، وترفع القدرة على المنافسة خارجياً.
ختاماً.. يمكن القول إن اللافت في الانتخابات المقبلة هو قرار حزب الله، عدم الزهد بتمثيله في الحياة السياسية اللبنانية، وإدراكه جيداً أن المقاومة التي حرّرت يجب أن تحافظ على إنجازاتها وتحصل على تمثيل يتيح لها الدفاع عن حقوق شعبها فهي لطالما كان همّها الدائم الحفاظ على كرامته وحمايته. ولا شك أن صادق الوعد الذي أثبت لجمهوره كفاءته في قيادة الميادين، سيبقى على عهده معهم، وسنشهد لبناناً جديداً في المستقبل القريب في ظل برنامج انتخابي كهذا. لكن كيف سيستطيع الحزب أن يفي بكل هذه الوعود؟ وهل ستولّد سياسته الجديدة خصوماً جدداً في الداخل اللبناني؟