الوقت- الأمم المتحدة، اسم منظمة دولية، إن قمنا بالبحث عنها في المحرك الآلي جوجل يظهر لنا التالي: منظمة دولية تعمل جاهدة على منع وإزالة جميع الأسباب التي تؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين وقمع أعمال العدوان والحيلولة دون استخدام القوة في غير حالات الدفاع الشرعي، وأنها تطبق أحكام القانون الدولي ومبادئ العدل والإنصاف والمساواة بين الدول فيما يثار بينها من منازعات. إلا أن الواقع اليوم يظهر عكس ذلك كلياً، بل في أغلب الأحيان تظهر تواطؤاً كبيراً مع الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا والتي تمارس ضغوطاً هائلة عليها لإجبارها على إصدار قرارات تخدم أهدافها ومصالحها ولاسيما إذا ما ارتبطت هذه القرارات بمصير وأمن حليفها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وهو الكيان الإسرائيلي.
قتل الأبرياء في اليمن، في سوريا، في العراق، في فلسطين بدم بارد لم يحرك الأمم المتحدة للتدخل من أجل وقف قتل الأبرياء هناك، بل اكتفت ببعض البيانات المنددة والتي تأتي غالباً متأخرة وبدون أي تأثير.
من الأزمات الأخيرة التي برز فيها التباين والتناقض الذي تعيشه الأمم المتحدة في قراراتها ما ظهر جلياً في سوريا وخاصة في الحرب التي تشنّها تركيا على الأكراد في الشمال السوري، والعملية العسكرية السورية في الغوطة الشرقية لدمشق والتي تشنّها ضدّ الإرهابيين الذين اتخذوا من عشرات الآلاف من المواطنين دروعاً بشرية في محاولة لمنع الجيش السوري من التقدم.
الغوطة تفضح دي مستورا
بعد شهرين من بدء الغزو العسكري التركي لمنطقة عفرين في شمال غرب سوريا، تعرّض الكثير من الأكراد في المنطقة إلى القتل والتهجير من مدنهم وقراهم، ولم تحرك الأمم المتحدة أي ساكن من أجل إدانة القصف التركي العشوائي الذي لم يميز بين المقاتل الكردي الحامل للسلاح والأطفال والنساء والعجز الأكراد الذين قتلوا دون أي رحمة من الجيش التركي ومرتزقته، إلا أنه ومع بدء العملية العسكرية السورية في منطقة الغوطة الشرقية خرج ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، من مخبئه إلى الإعلام سريعاً، ولكن ليس دفاعاً عن الأكراد في سوريا وما يجري عليهم، إنما دفاعاً عن الإرهابين في ضواحي دمشق مندداً بالعملية العسكرية السورية ضد ما أسماه بالمعارضة السورية التي كانت تقصف الشعب السوري، كل يوم بمئات الصواريخ وقذائف الهاون وتقتل الأبرياء دون أي رحمة.
وفي السياق ذاته، دعا دي مستورا تلك الجماعات المسلحة إلى التفاوض مع روسيا والحكومة السورية والموافقة على سحب الإرهابيين التكفيريين من جبهة النصرة من الغوطة الشرقية إلى إدلب، كما دعا الحكومة السورية إلى الموافقة على هذا الطلب ووقف الهجوم على الجماعات المسلحة في الغوطة.
النقطة الغريبة والمؤسفة هنا، هي أن السيد ستيفان دي مستورا لم يذكر أكراد منطقة عفرين السورية ولم يطلب من الجيش التركي وقف العدوان وانتهاكه للسيادة الوطنية السورية وقتل الأبرياء في عفرين!
هذا الموقف المزدوج والتمييز الواضح فيه لمصلحة الإرهابيين في الغوطة الشرقية من قبل دي مستورا خاصة في الأيام الأخيرة، والذي يأتي مع تقدم الجيش السوري في أعماق الغوطة الشرقية لدمشق وتحرير أكثر من 80٪ من تلك المنطقة، حيث أتاحت هذه العملية فرصة للمدنيين في الغوطة للهروب من تسلّط المسلحين وإرهابهم والخروج إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية والاحتماء فيها، وبسبب هذه المشاهد اضطر ستيفان دي مستورا الاعتراف أن الإرهابيين قد استهدفوا المدنيين بشكل علني في كل من دمشق وحماة ودرعا وإدلب ( خاصة في مدنيتي الفوعة وکفریّا المحاصرتين منذ بدء الأزمة في سوريا).
الحملة الإعلانية قبل عملية الغوطة
وقبل تقدم الجيش السوري في الغوطة، ادّعى العالم الغربي وبعض الدول العربية الداعمة للإرهابيين، في سياق الحرب السياسية والدعاية النفسية الواسعة النطاق التي تشنّها هذه الدول ضد النظام السوري، أن السكان المدنيين في الغوطة يتعرّضون للذبح والقتل من قبل الجيش السوري وأن الجماعات الإرهابية ما هي إلا جماعات انقلابية، تدافع عن نفسها أمام الآلة العسكرية السورية. إلا أن مشاهد هروب المدنيين بعشرات الآلاف من مناطق سيطرة المسلحين والمقابلات التلفزيونية التي أجروها أثبتت أن الإرهابيين في هذه المنطقة يفتقرون إلى القاعدة الشعبية الحاضنة لهم كما أنهم كانوا مستعدين لقتل المدنيين على حساب بقائهم في المنطقة تنفيذاً لأجندات غربية.
يقول محللون سياسيون إن تنديد دي مستورا للإرهابيين ودفعهم إلى التفاوض مع الحكومة السورية هو ليس بغرض إنهاء الصراع إنما هو محاولة لإنقاذ ما تبقى من مسلحين في الغوطة عبر إخراجهم منها نحو إدلب، وندد مسؤولون أكراد عدم بذل دي مستورا أي جهد يذكر في محاولة إنقاذ المدنيين السوريين في عفرين من النيران المدمرة للجيش التركي حيث تقول الأرقام حتى الساعة أن هناك أكثر من 800 ألف نازح كردي هربوا من القصف التركي متوجهين إلى حلب في الشمال السوري.
اذاً، إن سياسة " الكيل بمكيالين " التي تقدّمها الأمم المتحدة حول القضية السورية والمعايير المزدوجة للعالم الغربي حول هذه القضية هي خير دليل على كذب جميع شعاراتهم في مجال حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية التي يطالبون بها من أجل الشعب السوري، ويمكن القول إن الأمم المتحدة تؤدي دوراً هشّاً وهزيلاً في المجتمع الدولي خاصة جهاز مجلس الأمن الذي غلبت عليه صفة الازدواجية في المعايير، وأصبح خاضعاً لإرادة أمريكا، وتحول لأداة تطوّعها الأخيرة للحفاظ والإبقاء على مصالحها.