الوقت- مجدداً عاد الحديث السعودي عن رغبة المملكة في بناء المُفاعلات النووية، حيث من المتوقع أن تعلن الرياض خلال الشهر المقبل عن عقد بقيمة مليارات الدولارات لبناء مفاعلين للطاقة النووية في المملكة، غير أنّ الرغبة السعودية هذه تواجهها العديد من المصاعب ليس أولها أنّ ولي عهدها رجلٌ لا يمكن الوثوق به، ولا آخرها أنّ المملكة لا تملك البنية التحتية لإدارة هكذا مشاريع على مستوى عالٍ من التقنية.
الصبي المتهور...
جولاتٌ عدّة أثبت خلالها ولي العهد السعودي أنّه ليس أهلاً للثقة، فجميع مشاريعه التي أطلقها أثبتت فشلها الذريع، كما أنّ الحرب التي يشُنّها على اليمن أثبتت وبما لا يدع مجالاً للشك عدم قدرته على إدارة البلاد، ومن هنا يؤكد مراقبون أنّ واشنطن لا تثق ولا تأمن بأن تقوم بإنشاء محطات للطاقة النووية في السعودية.
أكثر من ذلك؛ يخشى الأمريكيون -بحسب المراقبين- من أن يُشعل بن سلمان في حال امتلاكه الطاقة النووية حرباً في المنطقة لا تُبقي ولا تذر، حيث إنّ الخطر الحقيقي لامتلاك المملكة لتلك التكنولوجيا يتمثل في أن ذلك يضعها على طريق واضح لتطوير سلاحها النووي.
وبناءً على ما سبق، بدأ الحديث يدور داخل أروقة الكونغرس الأمريكي عن إجبار المملكة على الخضوع لاتفاقية "123" وذلك كحصنٍ ضد الانتشار النووي على الصعيد العالمي.
القاعدة الذهبية والأزمة المُرتقبة...
في حال كان ما ادّعاه الجبير في مؤتمر ميونخ صحيحاً؛ وكانت المملكة جادة في امتلاك الطاقة النووية، فإنّ هذا الأمر سيُشعل أزمةً بين الحليفين الرئيسيين (أمريكا والسعودية)، حيث إنّ الاعتماد على شركات أميركية لبناء هذه المفاعلات يتطلب توقيع المعاهدة السلمية للتعاون النووي والمعروفة باسم "اتفاق 123" الأمر الذي يستدعي الفصل بين المنشآت النووية المدنية والعسكرية، ويعرقل هذا الاتفاق تطوير قنابل نووية، وتعدّ الاتفاقية رقم 123 إطاراً قانونياً للتعاون النووي السلمي، وينص على التزام البلد المتلقي بمعايير حظر الانتشار النووي التي تفرضها الولايات المتحدة.
غير أنّ الرياض وحسب تقارير رسميّة سعودية ترفض الخضوع لهذه الاتفاقية، وحجة المملكة الأساسية للحصول على استثناء من "اتفاقية 123" هو أن إيران سمح لها، بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، بتخصيب اليورانيوم الخاص للاستخدام التجاري، ولا ترى المملكة سبباً في أن تُعامل الرياض على نحو أقل من طهران، وترغب في أن يكون لها الخيار كذلك، خاصة أن الرياض ستلتزم بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بحسب تقارير المملكة.
وعلى هذا الأساس؛ وفي حال الرفض الأمريكي لاستثناء الرياض من تلك المعاهدة، وهو ما أكده عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، فإنّ الرياض باتت تهدد أمريكا بأنها ستلجأ إلى دول أخرى تقدّمت بعرض لبناء المفاعلات الـ 16 التي ترغب بها المملكة.
وقالت الصحف السعودية إنّ الرياض تلقّت عروضاً للحصول على طاقة نووية، إذ لم تتجه المملكة للولايات المتحدة وحدها بل تحدثت مع عشر دول عن هذا الهدف، منها الصين وروسيا، كوريا الجنوبية وفرنسا.
المنافسة...
سعي السعودية للحصول على الطاقة النووية أرجعه خبراء إلى احتدام المنافسة مع طهران التي وقّعت في العام 2015 اتفاقاً مع الدول الكبرى في العالم (5+1) سُمِحَ لها بموجبه تخصيب اليورانيوم، ويُعتبر سعي الرياض لامتلاك الطاقة النووية جزءاً من المنافسة مع طهران، الممتدة من آسيا إلى الساحل الأطلسي في إفريقيا، حيث إنّ طهران لا تُنتج الطاقة النووية فحسب، ولكنها تمتلك برنامجاً لتخصيب اليورانيوم، بهدف إنتاج الوقود النووي لتلبية احتياجاتها الخاصة.
كما أنّ الخبراء يؤكدون أنّ المملكة العربية السعودية وبخلاف إيران تفتقر إلى أي بنية تحتية نووية، فمؤسستها النووية الوحيدة هي "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة" غير قادرة على إدارة المفاعلات النووية، الأمر الذي من شأنّه أن يُحبط أيّ محاولة لتوطين هذه التكنولوجيا، ما سيدفع الرياض إلى شراء هذه التقنية من الدول الكبرى بالإضافة إلى تشغيلها من قبلهم، وهذا من شأنّه أن يجعل قرارات تلك المنشآت صادرة عن حكومات الشركات المشغلة لها، فلا يعدو الأمر كونه "ضجّة" إعلامية هدفها تلميع صورة بن سلمان بعد الهزائم الكبيرة التي لحقت به ولا سيما في اليمن.
تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب مراقبين ستبقى دولة الاحتلال الإسرائيلي الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً في تمرير اتفاق المنشآت النووية السعودية، مشيرين إلى أنّ التقارب السعودي الإسرائيلي الذي ظهر إلى السطح مؤخراً يصبّ في هذا الاتجاه، وفي هذا السياق يؤكد "يوئيل غوزانسكي" المسؤول الإسرائيلي السابق في مجال عدم انتشار الأسلحة النووية أنّ مصلحة تل أبيب في أن تدخل الولايات المتحدة وليس الصين أو روسيا السوق النووية السعودية، كما أنّ أيَّ اتفاق سعودي أمريكي لبناء المنشآت النووية وبحسب محللين إسرائيليين من شأنّه أن يسهّل جهود إبرام اتفاق "سلام" إسرائيلي - فلسطيني، يتطلب بالتأكيد مساعدة سعودية، ومن المتوقع أنّ تكون الصفقة السعودية النووية مقابل تمرير "تسوية سلام" باتت تُعرف بـ "صفقة القرن".