الوقت-في اجتماع لمؤسسة بروكينغز في سيئول يناير/ كانون الثاني من العام 2013، ناقش المجتمعون مسألة التهديد النووي الكوري الشمالية والصواريخ البالستية منذ زمن الرئيس الكوري الشمالي "كيم يونغ إيل" إلى الرئيس الحالي كيم جونغ أون. حيث كانت كوريا الشمالية في ذلك الوقت، على وشك إجراء تجربة نووية ثالثة، على الرغم من عدم نجاحها في ارسال قمر صناعي الى الفضاء في كانون الأول / ديسمبر 2012.
وفي مقالة نشرتها مؤسسة بروكينغز الأمريكية، بقلم الكاتب المعروف جوناثان دي بولاك قال: في ذلك الوقت، أعلنت كوريا الشمالية خروجها من اتفاق (Leap Day) في شباط / فبراير 2012، وبعدها بأشهر وبعد اجرائها تعديلات أساسية في الدستور أعلنت كوريا الشمالية عن حيازتها للقنبلة النووية.
لم تشر المعلومات السياسية آنذاك إلى احتمالية تراجع كوريا الشمالية عن برامج الصواريخ النووية، بحيث أعلن كيم جونغ اون في ذلك الوقت ان المواطنين الكوريين لن يرضوا او يقبلوا بان يعيشوا تحت الضغط الاقتصادي والعقوبات الخارجية على البلاد، وعلى هذا الأساس يعتقد مراقبون ان التزام كوريا الشمالية بالبرنامج النووية لا يأتي عن قناعة سياسية، انما عن قناعة وجودية في شبه الجزيرة الكورية.
لذلك لم يكن واضحاً للمحللين الامريكيين ان القيود الاقتصادية والتقنية ستعرقل التعجيل بتطوير كوريا الشمالية للأسلحة النووية، بل كان واضحاً أن البلد مصمم فعلا على تطوير مرافقه النووية لأهداف عديدة. واخذ بعض المحللون يشككون عن استمرار كيم جونغ اون في تجاهل التهديدات الصينية، الا انه منذ ذلك الحين، قدمت كوريا الشمالية إجابات واضحة على هذه الأسئلة والشكوك، حيث استنتج المجتمع الدولي بأن كوريا الشمالية لن تخفض أو تبطئ تطوير برنامجها النووي مهما كان الثمن.
وفي شباط / فبراير 2013، أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الثالثة، وبحلول نهاية آذار / مارس، أعلنت بيونغ يانغ عن ان السياسة النووية لكوريا الشمالية يجب ان تترافق مع التنمية الاقتصادية للبلاد. وفي الوقت نفسه، أعلن مجلس الشعب الأعلى لكوريا الشمالية قانوناً يحمل عنوان "تعزيز الحكومة الذرية للدفاع عن نفسها"، والذي تضمن عشر نقاط لرسم العديد من الإجراءات اللاحقة لبيونغ يانغ في المستقبل.
وبين عامي 2013 و2015، شهد البرنامج الصاروخي الكوري تذبذباً كبيراً، ولكن على مدى العامين الماضيين، وعلى وجه الخصوص في عام 2017، شهد البرنامج الصاروخي تقدم بسرعة كبيرة، مما دفع كبار المسؤولين الأمريكيين الى التنبيه أن كوريا الشمالية على وشك تحقيق نقلة نوعية في برنامجها الصاروخي (صواريخ عابرة للقارات 5500 كم) ويمكنها أن تستهدف تراب أمريكا بكل سهولة.
وفي عام 2016، سارعت كوريا الشمالية من برنامجها الصاروخي بإجراء تجربتين نوويتين (كان الاختبار الأول على ما يبدو اختباراً لسلاح القنبلة الهيدروجينية والأخير، على ما يبدو، اختبارا لرؤوس حربية النووية). وخلال عام 2016، تم إجراء أكثر من 10 اختبارات صاروخية إضافة الى اختباراها للمحرك الثابت التي مهدت الطريق لمزيد من التقدم في تطوير الأسلحة النووية. وشملت هذه التجارب عدة اختبارات غير ناجحة، بحيث نجحت في إطلاق صاروخ هواسونغ -10 والذي لم يتم اختباره سابقا، فضلا عن إطلاق ناجح للصواريخ البالستية البحرية بوكوكسونغ -1 التي تعمل بالوقود الصلب والتي فشل في اطلاقها الكوريين سابقاً.
وقرر كيم جونغ – أون مطلع عام 2017 مضاعفة ميزانية بلاده من اجل تطوير برامجها النووية. وكانت نتائج هذه القرارات واضحة طوال عام 2017. وفي كلمة له أعلن كيم ان كوريا الشمالية قد دخلت المرحلة النهائية من الاستعدادات لاختبار إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وخلال الأشهر ال 11 الماضية، استطاعت كوريا الشمالية الوصول إلى هدفها النهائي وأجرت أكثر من 10 تجارب صاروخية، من بينها إطلاق ثلاثة صواريخ عابرة للقارات (كلها أطلقت بتجاه البحر الشرقي / بحر اليابان) وإطلاق صاروخين اخرين من منطقة هوكايدو. ومن المحتمل أن تشمل هذه التجارب اختبار خمسة صواريخ لم يتم اختبارها سابقا بما في ذلك صاروخ بوكوكسونغ 2، الذي يعتبر من الصواريخ الخطيرة التي تعمل بالوقود الصلب، كما ادعت كوريا الشمالية انها صممت رؤوس حربية نووية صغيرة مخصصة لصواريخها.
وبلغ برنامج اختبار الصواريخ ذروته في الأشهر الأخيرة من عام 2017، ففي سبتمبر الماضي اجرت كوريا الشمالية اختباراً صاروخياً ناجحا لصاروخ عابر للقارات يحمل رأساً متفجراً بقوة تفجيرية 150 كيلوطن، تلاها إطلاق صاروخ هوسونغ 15 العابر للقارات بنجاح في أواخر نوفمبر. وبالإضافة الى ذلك، ادعت كوريا الشمالية انها نجحت في تصنيع رؤوس حربية نووية جديدة وان صواريخ هواسونغ -15 قادرة على حمل هذه الرؤوس، الا ان المحللين الأمريكيين والكوريين واليابانيين رفضوا هذا الادعاء. وقالت صحيفة "رودونغ سينمون" الكورية الشمالية في مقال ان "البلاد تسعى من خلال هذه البرامج الصاروخية للدفاع عن نفسها ضد الابتزاز الامبريالي الامريكي الرهيب والوحشي وانهاء الخلاف ونشر السلام في شبه الجزيرة الكورية وفي العالم ".
ختاماً، نظرا للجهود الجبارة لكوريا الشمالية وتخصيصها موارد كبيرة لبرامجها الصاروخية، تطرح أسئلة عديدة وهي لماذا الان؟ وما هي الأهداف والاسباب التي تحفز كيم جونغ أون وتبرر التكاليف الاقتصادية والسياسية الهائلة لهذه الأنشطة؟ هل يستطيع كيم الاحتفاظ بهذه البرامج إلى أجل غير مسمى دون إضعاف أهداف النظام الأخرى؟ هل هناك خيارات واقعية لأمريكا وكوريا الجنوبية لمنع كوريا الشمالية من تحقيق أهدافها؟ ولمعالجة هذه القضايا، ينبغي أن تأخذ أمريكا وحلفائها في عين الاعتبار عملية تطوير الأسلحة النووية والصواريخ في كوريا الشمالية بقيادة كيم جونغ أون على محمل الجد.