الوقت- تتسع الهوة بین أنقرة وواشنطن يوما بعد يوم وهذا ما لم يكن المراقبون يتوقعون حصوله بين هاتين العضوتين في الناتو، و تشمل الخلافات بين اردوغان والغرب مجموعة من القضايا أهمها تعاون واشنطن مع اكراد سوريا في الاعوام الاخيرة.
لقد بدأت الاتصالات بين امريكا و اكراد سوريا في السنوات الاخيرة من عهد باراك اوباما لكن مجيء ترامب الى سدة الرئاسة وتأكيده على التقارب مع الدول الحليفة عزز الآمال في أنقرة بأن الامريكيين سيقلصون دعمهم لاكراد سوريا لكن مع مرور عام على مجيء ترامب وعلى الرغم من وعود البيت الابيض للاتراك فإن دعم الامريكيين لاكراد سوريا لم يتراجع ابدا بل ازداد ايضا ووصل الى حد اعلان واشنطن عن مشروعها لتشكيل حرس حدود في شمال سوريا.
ومع بدء الهجوم التركي على شمالي سوريا في 20 يناير بهدف طرد مسلحي وحدات الحماية الكردية من عفرين وصمت واشنطن ازاء ذلك كان المراقبون يظنون بأن امريكا استجابت لطلبات تركيا واوقفت دعمها لاكراد سوريا لكن المسؤولين الاتراك عادوا مجددا الى توجيه الانتقادات لامريكا وقد وصل الامر الى قيام وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو يوم الاثنين الفائت بتهديد الامريكيين بقطع العلاقات، ويعتقد المحللون ان لهذه التطورات والتقلبات أسباب رئيسية أهمها:
فشل تركيا في تحقيق نصر سريع
لدى تركيا مخطط استراتيجي لعزل الاراضي التي يسيطر الاكراد عليها في شمالي سوريا ، وكانت عملية درع الفرات في ديسمبر 2016 المرحلة الاولى من هذه الاستراتيجية وقد حققت نجاحا، والان تسعى تركيا الى تنفيذ المرحلة الثانية من تلك العمليات تحت اسم غصن الزيتون بهدف السيطرة على عفرين وصولا الى منبج، وكان المسؤولون الاتراك متفائلون منذ بدء العملية بسرعة نجاحها وتحقيق الاهداف لكن بعد مضي شهر من بدء العملية لم يحقق الاتراك والفصائل السورية المتحالفة معهم نجاحا يذكر في التقدم نحو عفرين وتكبدوا خسائر كبيرة وتصاعدت حدة الانتقادات لهم في الداخل والخارج بسبب مغامرتهم العسكرية ولذلك يحمل المسؤولون الاتراك امريكا مسؤولية فشلهم في سوريا قائلين ان الدعم المالي والعسكري الامريكي لاكراد سوريا هو من اهم اسباب صمود وحدات الحماية الكردية في وجه الجيش التركي، وليس غريبا قيام نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة "بكر بوزداغ" باطلاق تهديدات موجهة ضد الجنود الامريكيين الذين يلبسون الزي العسكري لوحدات الحماية الكردية قائلا ان هؤلاء ايضا سيستهدفهم الجيش التركي، اما الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فقد انتقد بشدة يوم امس الثلاثاء الدعم المالي الامريكي للفصائل الكردية السورية قائلا ان الامريكيين انفقوا 550 مليون دولار لمساعدة القوات الكردية في سوريا لكنهم ينوون الان رفع هذا المبلغ الى 3 مليارات دولار.
ويمكن القول ان انعدام الثقة بين تركيا وامريكا هو من اهم الأسباب التي دفعت تركيا نحو التعاون مع المحور الايراني الروسي خلال العام الاخير في اجتماعات أستانا و سوتشي.
الاستراتيجية الامريكية في سوريا
يوجه المسؤولون الاتراك انتقادات نحو سعي الامريكيين لتقسيم تركيا وذلك ضمن انتقاداتهم الاخيرة، وهذا امر بالغ الاهمية فاردوغان قال يوم امس الثلاثاء "هناك من يريد تقسيم المنطقة وحتى تركيا"، وفي الحقيقة يعتقد الاتراك ان الاستراتيجية الرئيسية لواشنطن في سوريا هي تشكيل كيان كردي مستقل في شمالي سوريا وذلك رغم ادعاءات واشنطن بانها تدعم وحدة الاراضي السورية، ان امريكا قد اعلنت بانها لن تسحب قواتها من منبج رغم التحذيرات والطلبات التركية، وقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم امس الثلاثاء ايضا ان التحركات الامريكية تبدو وكأنها خطة لايجاد دولة في قسم كبير من الاراضي السورية بالضفة الشرقية للفرات وحتى الحدود العراقية.
ولذلك يمكن القول ان تركيا التي تريد منع استقلال أكراد سوريا هي مستعدة لتحدي الامريكيين رغم الضوء الاخضر الامريكي للهجوم على عفرين.
ممارسة الضغط ونزع الامتيازات
ان تصريحات المسؤولين الاتراك تأتي بالتزامن مع زيارة يقوم بها "هربرت ماك ماستر" الى اسطنبول منذ يوم الاثنين بهدف خفض التوترات مع تركيا، ومن جهة اخرى يعتزم وزير الخارجية الامريكي "ركس تيلرسون" الذهاب الى تركيا خلال الايام القادمة، ويمكن القول ان تهديدات المسؤولين الاتراك بقطع العلاقات مع واشنطن هي أداة ضغط لنزع الامتيازات من الامريكيين حول سحب القوات الكردية من منبج.
لكن المراقبون يعتقدون ان الاكراد هم الورقة الرابحة الوحيدة بيد الامريكيين في سوريا وان واشنطن لن توافق على مطالب تركيا لأن ذلك سيبعد الاكراد عن امريكا نهائيا لذلك نجد بأن الاتراك يلوحون ويهددون باعادة النظر في تحالفهم الاستراتيجي مع الغرب، والان يجب ان ننتظر لنرى هل سيُبدي الامريكيين الليونة التي ستكلفهم غاليا، أم ان اردوغان هو من سيغير مواقفه مرة أخرى؟