الوقت- تسعى الامارات ومنذ أعوام الى "علمنة" سياستها الخارجيّة، الأمر الذي فرض عليها جملة من الإجراءات الداخلية المبالغة فيها، و أصبحت أبو ظبي تبدو وكأنها تحارب الإسلام بشعار "التسامح".
فرغم مساعي الامارات الى الترويج لنفسها بأنها دولة علمانية تحارب التشدد والتطرف على عكس منافستها في النفوذ "السعودية"، فان الاعلام الغربي قرأ في الإجراءات الإماراتية الأخيرة تطرف في محاربة التطرف ، حتى ذهب الامر بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية للقول ان أبو ظبي تحارب الإسلام سواء المعتدل منه أو المتشدد أو حتى الإسلام السياسي في إشارة الى جماعة الاخوان المسلمين.
وتضيف الصحيفة البريطانية أن الامارات أنفقت في سبيل حربها على الاسلام المليارات، وشنت هجوما مضادا مستخدمة فيها المال والإعلام لمحاربة هذا التيار وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك لمنع حزب النهضة من الوصول للحكم في تونس، مشيرة الى أن دولة الإمارات ضخت كثيرًا من الأموال، في إطار جهودها الهادفة إلى إجهاض ما أسمته "الربيع العربي"، وتهميش دور الإسلام السياسي في المنطقة بعد أن تحسس أولا زايد خطر هذه التطورات على نفوذه وحكمهم.
وتشير فايننشال تايمز الى أن أحد أسوأ الأدوار التي تقوم بها دولة الإمارات تتمثل بمحاربة الإسلام السياسي في الحياة العامة في البلاد العربية، لا سيما تلك التي حط فيها قطار ثورات الربيع العربي هي ضخ الكثير من المال لتهميش الإسلاميين، حتى أن هذه الحرب راح ضحيتها المئات والآلاف من هذه الشعوب كما حدث في مصر واليمن وليبيا.
تسامح مع الهندوس وتضييق على المسلمين
وفي سبيل الترويج لفكرة "الامارات؛ الدولة العلمانية والمنفتحة على العالم"، أصدرت حكومة أبو ظبي قرار دعائيا تحت عنوان اعطاء الجالية الهندوسية في أبو ظبي، أرضاً لبناء معبد هندوسي عليها، ليس الأول من نوعه الذي يقام في البلاد، ففي عام 1958، منح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إذناً لقيام المعبد الهنودسي الأول في دبي، فأقيم في الطابق الأول في أحد مباني السوق القديمة في بور دبي، وهو ما أثار حفيظة المواطنين الامارتيين المسلمين وعبروا عن غضبهم بشدّة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر ببعض المعلقين على القرار، الى مهاجم عائلة "آل زايد"، معتبرين أنّهم "عائلة معادية للإسلام".
وفي مقابل "التسامح" مع الديانات الأخرى كما تدعي الامارات فانها تضيق على المسلمين في جوانب أخرى، حيث أقر المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي قانون أطلق عليه " تنظيم ورعاية المساجد" منع بموجبه الموظفين العاملين في المساجد ممارسة أي نشاط سياسي أو تنظيمي ممنوع، والقيام بمهام الوعظ أو الإفتاء أو إلقاء الدروس أو تحفيظ القرآن الكريم خارج المساجد أو الجهات المصرح بها من قبل السلطة المختصة، والمشاركة بأية أنشطة إعلامية دون الحصول على إذن مسبق من السلطة المختصة، وجمع التبرعات أو المساعدات المالية أو العينية لشخصه أو للغير.
كما منع القانون الاماراتي الصادر نهاية العام الماضي 2017 إلقاء الدروس أو المحاضرات أو الخطب، وإقامة حلقات التعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وجمع التبرعات أو المساعدات، وتعيين أو تكليف أي شخص للعمل بصفة دائمة أو مؤقتة، وإنشاء المكتبات، وإحياء المناسبات الدينية أو الاجتماعية أو تنظيم الاجتماعات فيها، وتوزيع الكتب والنشرات والأقراص المدمجة والتسجيلات الصوتية والمرئية وغيرها أو إلصاق الإعلانات والمنشورات، والاعتكاف في المساجد، وإدخال مصاحف أو أثاث، وإقامة موائد الإفطار والولائم.
التحريض على المسلمين في أوروبا
محاربة الامارات للإسلام تجلت بأوضح صورها عندما اعتبر ما يسمى وزير التسامح الإماراتي نهيان مبارك آل نهيان، أن إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا تسببت في الهجمات الإرهابية في القارة العجوز محملا المسلمين في أوروبا بشكل عام مسؤولية أي عمل إرهابي هناك، وهو ما اعتبرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا " تحريضا مبطنا على المسلمين في أوروبا"، معتبرة أن تصريحات الوزير الاماراتي محاولة يائسة لتحويل المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية تخدم أجندات إماراتية، محذرة دول الاتحاد الأوروبي من الاستجابة لطلب الوزير لتدريب الأئمة في دولة الإمارات حتى لا تتحول المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية للتجسس تعمل لصالح دولة الإمارات، مؤكدة أن الامارات وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن جرائم في الشرق الأوسط أدت إلى تفجير العنف والإرهاب.
تورط الامارات في محاربة المسلمين اعترف به ايضا مدير وكالة الاستخبارات الامريكية السابق ديفيد باترويس الذي أشار الى أن أبو ظبي تعتبر الأكثر قدرة على قتل "الإسلاميين المتشددين"، منوها الى دور الاماراتيين في دعم قوات الناتو في أفغانستان وباكستان وحتى مالي مؤكدا أن الناتو يوكل بعض مهام التصفية لجنود إماراتيين في شهادة تضاف الى سجل العلمانية والتسامح وفق رؤية أولاد زايد.