الوقت- يبدو أن آثار الأزمة الخليجية المندلعة منذ حدود 8 أشهر بين السعودية وقطر لم تعد محصورة ضمن هذين الطرفين، بل تعدتها لتثير نيران الخلاف (ولو تحت الرماد) مع دول أخرى غير قطر لم تتماهى مع الموقف السعودي بالشكل الذي يريده آل سعود.
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة ما بين البلدين كان الموقف الكويتي واضحا ومنطقيا جدا، حيث اتخذت الدولة الصغيرة موقفا منطقيا وسطيا دون الانحياز إلى طرف من الأطراف. بل وبدأت بجهود حثيثة للوساطة في حل الأزمة، وساطة رحب بها القطريون فيما أبدت السعودية عدم اهتمامها بالأمر وهذا سبّب فشل المساعي التي خاضها أمير الكويت والفريق السياسي الذي عمل معه.
هنا لا بد من ذكر عمان التي اتخذت منذ سنوات منحى مغاير للتوجهات السعودية وتمكنت إلى اليوم من فرض سياساتها الدولية الخاصة دون العودة إلى السعودية (بعنوان الشقيقة الكبرى) كما حال البحرين مثلا.
وبالعودة إلى الموقف الكويتي فإن الخلفية التي دفعت بالكويت إلى اتخاذ هذا المنحى هو القراءة الصحيحة للموقف. طبعا السعودية توقعت تماهيا كويتيا كاملا مع قرارهم، والسبب يعود إلى النظرة السعودية الفوقية للدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الصغيرة. وقد تفاجئت السعودية بالموقف الكويتي الذي أربكها وأضعف خطة حصارها لقطر.
ما قام به رئيس مجلس النواب الكويتي في جلسة البرلمان الدولي حين هاجم الوفد الإسرائيلي وطرده من قاعة المجلس لا يخرج عن السياق، بل يؤكد أيضا عدم تماهي الكويت مع السياسات السعودية التي تحث الخطى على تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. أمر يجب الوقوف عنده لأن السعودية وعبر أزلامها كالبحرين بدأت بالتسويق للتطبيع وبشكل علني ومستعجل.
أما القراءة الكويتية فأتت على النحو التالي:
في حال تمكنت السعودية من القضاء على قطر فإن الكويت قد تكون معرضة لهكذا خطوة سعودية في أي وقت في المستقبل. وهنا لا بد من الإشارة إلى النزاع السعودي الكويتي النفطي حول حقول الخفجي والوفر الذين تبلغ مساحتهما حدود 5 آلاف كيلومتر مربع. النزاع الذي وصل إلى التحكيم الدولي بسبب عدم احترام السعودية تعهداتها اتجاه الكويت.
منذ القديم تنظر السعودية إلى الكويت كتابع لها، وقد تعزز هذا الأمر بعد الحرب الخليجية وغزو صدام حسين للكويت، تعتبر السعودية نفسها حامية الكويت وهي من حافظت عليها من المدّ الصدامي، ولذلك كان بن سلمان ينتظر موقف كويتي على شاكلة الانبطاح البحريني.
ملاحظات مهمة جدا تؤكد مدى العنجهية السعودية اتجاه الكويت، منها ما أوردته صحيفة عكاظ السعودية عن الوساطة الكويتية، حيث كتب رئيس التحرير "جميل الذيابي" معتبرا أن ما تقوم به الكويت من وساطة إنما يؤدي لإفشال الخطة السعودية اتجاه قطر مذكرا بغزو صدام حسين للكويت ووقوف السعودية إلى جانبهم.
كما هاجم "تركي آل الشيخ" المقرب من بن سلمان منذ أيام الوزير الكويتي "خالد الرضوان" الذي زار قطر وشكر أميرها على المساعدة في حل أزمة الكويت مع الاتحاد الدولي لكرة القدم واصفا إياه بالمرتزقة.
كلها إشارات تؤكد مدى حنق النظام السعودي على الكويت ومسؤوليها، وهذا ينذر (وبناء على المعرفة بطبيعة السياسة السعودية الراهنة) بإمكانية تأزم في العلاقات مستقبلا. وقد بدأت تظهر بعض البوادر بعد المشاركة السعودية الضعيفة في قمة مجلس التعاون التي انعقدت في الكويت كانون الأول ديسمبر من العام المنصرم.
أما عن الخطوات الكويتية الاستباقية التي يمكن ربطها بعملية تعزيز أوراق القوة لدى الكويت تحسبا لأي رد فعل انتقامي سعودي يمكن الإشارة إلى السعي لتعزيز دورها في بعض الدول العربية (لبنان وزيارة الرئيس اللبناني للكويت مؤخرا) وعملها الحثيث مع دول كعمان وحتى قطر من أجل تشكيل حلف (ولو غير معلن) للوقوف في وجه السياسات السعودية المتهورة.
رغم أن الأمور مستقرة بشكل نسبي ولكن من المؤكد أن نيران الخلاف تستعر بشكل خفي وخاصة لدى الطرف السعودي الذي ينتظر الفرصة لينقض على كافة الدول الصغيرة المحيطة. طبعا هدف من الصعب تحقيقه في مقابل تكاتف هذه الدول التي أدركت أن السعودية لا تريد دولا شقيقة أو حليفة بل أتباع طيعين لا يجرؤون على رفض أي مطلب أو توجه مهما كان ينتهك السيادة والحقوق المرعية بين الدول.