الوقت- إعتاد اللبنانيون دوما على التدخّلات الأجنبية في قرارات بلدهم، وأي استحقاق يجري على أراضي الوطن الصغير، يجب أن يتم التوافق عليه في أروقة السفارات. اليوم وكما في السابق، وتزامنًا مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية المقررة في شهر آيار المقبل، عاد الحديث مجددًا عن دور سعودي محتمل يستعيد بعض النفوذ المفقود خلال الفترة الماضية.
وعلى الرغم من الظروف التي مرّت بها قوى الرابع عشر من آذار، المؤيّدة للنّهج السعودي، من تراجع ملحوظ خلال الآونة الأخيرة، لكن من غير الممكن أن تتخلّى الرياض بسهولة عن مشروعها السياسي في لبنان، خصوصا أن مطامعها لم تنته، ولا زال مناهضوا المملكة اللبنانيون في تطوّر.
وفي هذا السياق كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية، أن "الأنظار تتجه إلى الانتخابات النيابية المحدّدة في أيار المقبل، وسط أنباء استراتيجية تعتزم المملكة العربية السعودية تنفيذها، خلال أسابيع". وأشارت الصحيفة إلى أن "دبلوماسيين عرب نقلوا إلى مسؤولين لبنانيين أن جهودا سعودية بدأت تنصبّ للتحضير للانتخابات النيابية، وأن المملكة ستقوم قريبًا بإرسال موفد رفيع المستوى إلى لبنان للقاء الرئيس سعد الحريري، من أجل ترتيب تصوّر متكامل للمرحلة المقبلة، ينطلق من الضغط على رئيس الحكومة لتكون الأولوية في تحالفاته الانتخابية لمصلحة مكونات فريق 14 آذار، وفي مقدّمها القوات اللبنانية".
الحريري إلى الرياض
وتابعت الصحيفة اللبنانية: "غير أن شخصيات سياسية بارزة تقول إن الحريري سيُستدعى قريبًا إلى الرياض، ومعه رؤساء أحزاب وتيارات في فريق 14 آذار، أو شخصيات مستقلّة، وربما رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، لتبليغهم رغبتها في إعادة جمعهم معًا في حلف واحد".
وأضافت: "لم تسقط السعودية يومًا من حسابها أن هذا المشروع لا يزال قائمًا، رغم كل ما أصابه من نكسات، وخصوصًا أنه نجح في مرحلة ما في تحقيق بعض الإنجازات من داخل الحكومة وخارجها".
وتقول الصحيفة إنه "مع أن جمع قيادات هذا الفريق يبدو مهمّة مستحيلة، لكن الملف وضع على الطاولة السعودية، وستبدأ ترجمة هذا التوجه قريبًا لأن الرغبة السعودية في ترتيب هذا البيت لم تعُد تفصيلًا".
وبحسب الصحيفة، "تسعى السعودية إلى عودة قوية إلى لبنان من ضمن استراتيجية تقول مصادر مطلعة إنها ستبدأ العمل عليها خلال أسابيع، وتهدف إلى "إعادة لمّ مكونات 14 آذار لتخوض معركة الانتخابات النيابية كفريق واحد". وذكرت الصحيفة أن "المملكة لن تتخلّى بسهولة عن مشروع سياسي استثمرت فيه مئات ملايين الدولار، ولا بدّ من أن تعود إليه، وخصوصًا أن أسسه لا تزال قائمة، لتحجيم النفوذ الإيراني في لبنان"." لكن ماذا عن الحريري الذي يتقدّم عنده همّ الحفاظ على تحالفه مع التيار الوطني الحرّ على كل همومه الأخرى؟" تتساءل الصحيفة. وتقول: "هل بإمكانه مجاراة المملكة في مشروع مواجهة جديدة مع حزب الله، الذي وصفه في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بأنه عامل استقرار؟".
وتشير الصحيفة، إلى أن الحريري قد لا يكون جاهزًا لأي شكل من أشكال المواجهة، كما ترجح المصادر، لكن ذلك لن يدفع المملكة إلى التراجع عن خطّتها التي وضعت ضمن بنودها توحيد كل الشخصيات المناهضة لحزب الله وإيران ودعمها سياسيًا وماليًا لمواجهته وفريقه في الانتخابات النيابية المقبلة، وسيصِل هذا الدعم تحديدًا إلى أطراف أثبتت التزامًا في مواجهة الحزب".
بالتالي، يظل نفوذ محمد بن سلمان ونظامه على تحالف 14 آذار خاصة تيار المستقبل هو الرهان الذي يعول السعوديون عليه في استعادة دورهم مرة أخرى في مواجهة حزب الله.
يذكر أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وجّه "رسالة حازمة" إلى "سفراء" لم يحدّد هويّتهم قائلا: إنّ الأيّام التي كان يتدخل فيها السفراء ويعيّنون نوابًا انتهت، وأنبّه كلّ العاملين في المجال الدبلوماسي، ومن أول الطريق، أن يلزموا حدودهم وأن يلتزموا بالأصول الدبلوماسية والاتفاقات الدولية، فتدخّل السفراء في الحياة السيادية الداخلية والوطنية أمرٌ ممنوع"، جازمًا أنّ ما كان يحصل سابقًا قد ولّى، ليس فقط مع انتهاء أزمنة "الوصاية"، على تعدّدها واختلافها، بل تزامنًا مع بدء العهد الجديد، الذي يضع شعار "السيادة" عنوانًا له.