الوقت - تحظى باكستان بأهمية استراتيجية لما تتمتع به من موقع جغرافي وطبيعة جيوسياسية متميزة، باعتبارها تمثل حلقة وصل بين دول مهمة في المنطقة بينها الصين والهند وإيران.
وتسعى واشنطن لرسم سياسة جديدة لتغيير محور "آسيا -المحيط الهادئ" إلى محور "الهند - المحيط الهادئ" من خلال الضغط على باكستان ودول أخرى في المنطقة بحجة محاربة الإرهاب.
وإلى وقت قريب كانت باكستان تعد من الدول الحليفة لأمريكا، ونتيجة ذلك حصلت على دعم مالي وتسليحي من واشنطن، إلّا أن ذلك لم يمنع من بروز خلافات وتحديات سياسية بين الجانبين.
ولطالما شدد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على ضرورة الضغط على إسلام آباد لإرغامها على مواصلة الوقوف إلى جانب واشنطن في مختلف الميادين. ويعتقد ترامب بأن باكستان وعلى الرغم من حصولها على دعم أمريكي (مالي وتسليحي) تنتهج سياسة مزودجة في مجال محاربة الإرهاب.
وقال الرئيس الأمريكي في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر" إن بلاده قد ارتكبت حماقة بمنحها 33 مليار دولار لباكستان خلال الـ 15 عاماً الماضية، لكنها لم تحصل على شيء سوى الكذب والخداع على حد تعبيره، متهماً في الوقت ذاته إسلام آباد بتهيئة ملاذات آمنة للجماعات المسلحة المناهضة لأمريكا في أفغانستان.
من جانبها أعلنت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة "نيكي هايلي" أن بلادها قررت قطع 225 مليون دولار من مساعدتها المالية لباكستان بسبب ما أسمته إخفاقها في التعاون مع أمريكا. وقالت هايلي في مؤتمر صحفي "إن إسلام آباد تلعب دور مزدوج في التعاطي مع الجماعات المسلحة التي تهاجم القوات الأمريكية في أفغانستان".
وأدانت سفيرة باكستان لدى الأمم المتحدة "مليحة لودهي" التصريحات الأمريكية ضد بلادها، مؤكدة: "إن إسلام آباد يمكن أن تراجع تعاونها مع واشنطن إذا لم تحظ بالتقدير". وحذّرت لودهي من إلقاء اللوم في الأخطاء والإخفاقات الأمريكية على دول أخرى. وأضافت أن مواقف باكستان لا تعتمد على المساعدات الأمريكية بل على المصالح والمبادئ الوطنية.
بدوره قال وزير الخارجية الباكستاني "خواجة آصف" خلال كلمة أمام ممثلي الأحزاب السياسية في البرلمان إن أمريكا تتحدث بلسان الهند، مشدداً على أنه يجب عدم اعتبار الصبر الذي أظهرته إسلام آباد إزاء هذا الموضوع ناجم عن الضعف، مشيراً كذلك إلى أن واشنطن حاولت وتحاول تحميل بلاده سبب فشلها في أفغانستان.
وفي تغريدة نشرها على حسابه بموقع "تويتر" أكد وزير الخارجية الباكستاني إن "التاريخ علّمنا ألّا نثق ثقة عمياء بأمريكا أبداً، ولن نتنازل عن هيبتنا بعد الآن".
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين الهند وباكستان تشهد توتراً، إثر نزاع على إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة، إذ خاض البلدان 3 حروب في أعوام 1948 و1965 و1971.
وتزامنت التطورات الأخيرة مع تقارب إسلام آباد من موسكو وبكين والذي ظهر بشكل واضح من خلال موافقة روسيا والصين على ضم باكستان إلى منظمة "شانغهاي" للتعاون كعضو دائم، بالإضافة إلى ما قامت به بكين من تنفيذ مشاريع استثمارية تصل قيمتها إلى أكثر من 60 مليار دولار في باكستان وذلك في إطار مساعيها لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
في مقابل ذلك سعت أمريكا لتعزيز علاقاتها مع الهند في إطار ستراتيجيتها الأمنية الرامية إلى إخضاع منطقة جنوب آسيا إلى محور جديد أطلق عليه المراقبون اسم محور (الهند - المحيط الهادئ). وطلبت واشنطن من نيودلهي لعب دور أكبر في أفغانستان للتعويض عن دور باكستان في هذا البلد، وذلك بعد تصاعد حدّة التوتر بين الأخيرة وأمريكا في الأسابيع الماضية.
ويمكن القول بأن منطقة (آسيا - المحيط الهادئ) قد تحوّلت إلى ساحة "حرب مصالح" تعول عليها واشنطن في خنق واحتواء الصين، لذلك فإنها تسعى وبكل قواها إلى خلق وضع جيوسياسي لحرب باردة جديدة، إلى جانب مساعيها لتعزيز تحالفاتها العسكرية القديمة، والتي أظهرت خصائص جديدة تتناسب مع التغييرات الطارئة على المنطقة، حيث تعمل مختلف القوى على إعادة تحديد مكانتها في هذه البقعة التي تشكل امتداداً استراتيجياً لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة لواشنطن.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن منطقة الباسيفيك ستحظى بأهمية خاصة طيلة القرن الحالي، خصوصاً وأن واشنطن تتحرك باتجاه تعزيز مواقعها في الدول المتاخمة لهذه المنطقة وفي مقدمتها اليابان واستراليا والهند، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" في أكثر من مناسبة.
ولابدّ من التنويه هنا إلى أن (آسيا - المحيط الهادئ) تمثل مركز ثقل جيوسياسي عالمي، كما إنها تمثل اتجاه التقدم بالنسبة إلى الصين، والمصدر الأساسي للتهديدات الخارجية. وهذه المنطقة تشهد الآن تغييرات هي الأعمق منذ الحرب العالمية الثانية. كما لاينبغي تجاهل حقيقة أن واشنطن تسعى إلى تطويق نفوذ إيران وروسيا والصين في أفغانستان، الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى احتدام الصراع السياسي على الأقل بين هذه الدول من جهة وأمريكا من جهة أخرى، ومن هنا تتعزز فكرة ضرورة تقارب باكستان من محور (إيران - روسيا - الصين) إذا ما أرادت التخلص من ضغوط واشنطن التي أخذت تتزايد في الآونة الأخيرة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية في عموم المنطقة.