الوقت-لطالما ادعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبسه ثوب الشفافية في تعاطيه مع خبايا ملف الفساد، لكن هذا الثوب لم يحتمل مناورة الامير الفاشلة بعد أن استيقظ السعوديون على صدمة الافراج عن وزير المالية السابق إبراهيم العساف، المتهم بقضايا فساد، وعودته إلى ممارسة عمله بشكل رسمي.
والعساف وزير دولة ووزير مالية سابق، وقد اتهم بالاختلاس فيما يتصل بتوسيع المسجد الحرام واستغلال منصبه ومعلومات داخلية لشراء أراض وتم احتجازه ضِمن مِئتيّ شَخصيّة بَينهم أُمراء، ورِجال أعمال، في فندق “الريتز كارلتون”.
العساف من الاعتقال الى العمل
خبر الافراج عن العساف صدمة كبيرة تلقاها السعوديون، لتضرب شفافية محمد بن سلمان بعدما بثت وكالة الأنباء السعودية أول ظهور للعساف في أولى جلسات مجلس الوزراء السعودي للعام الجاري التي عقدت يوم أمس الثلاثاء.
وبذلك، يكون العساف ثاني شخصية بارزة تظهر للعلن من بين الموقوفين بتهم الفساد في البلاد، حيث بث التلفزيون السعودي السبت الماضي لقطات لوزير الحرس الوطني السابق الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، بعد الإفراج عنه، وهو بصحبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إحدى الفعاليات.
وفي ذات السياق قال ناشطون إن ظهور العساف في الاجتماع، الذي حضره الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، يضرب مصداقية حملة الحرب على الفساد والفاسدين.
وأوضح ناشطون أنه وفي حال لم يثبت على العساف شبهة الفساد التي كانت تحوم حوله، فإنه من غير المنطقي إعادته إلى رئاسة الوزراء على رأس عمله بهذه السرعة.
واتهم ناشطون السلطات السعودية بأنها تملك أدلة على تورط مسؤولين وأمراء بقضايا فساد، إلا أنها اختارت إطلاق سراحهم بعد التوصل إلى تسوية مالية معهم.
ولي عهد النفاق
وفي سياق متصل وعلى ضوء حملة الفساد التي تعصف بالسعودية نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقال لها بعنوان "ولي عهد النفاق" حيث قالت:" يريد ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان إحداث تغيير شامل في المملكة المعروفة بتحفظها وضيق أفقها.
و تضيف: “يقال إنه اشترى قصراً فارهاً بمبلغ يزيد على 300 مليون دولار في فرنسا، بالقرب من قصر فرساي، واشترى يختاً طوله 440 قدماً من تاجر روسي في 2015 بما يقارب 550 مليون دولار. هذه أسعار صادمة بلا شك، إلا أن الحكومة السعودية تقول إن ولي العهد لم يدفع مبلغاً قدره 450.3 مليون دولار ثمناً لأغلى لوحة فنية في التاريخ، وهي رسمة للفنان ليوناردو دافنشي بيعت مؤخراً في مزاد علني”.
و تشدد الصحيفة: “من المؤكد أن الحملة ضد الفساد، والتي نجم عنها إلقاء القبض على 159 من أغنى رجال الأعمال والأمراء ومسؤولي الدولة في المملكة، واعتقالهم في فندق “كارلتون ريتز″ ذي الخمسة نجوم الشهر الماضي، تشتمل على أكثر من مجرد مبرر لانتزاع مزيد من الصلاحيات، فمشكلة الفساد حقيقية، وكذلك نفاد صبر الجيل الجديد أمر حقيقي.
لكن لا تنتظر أن يقدم هؤلاء المعتقلون للمحاكمة في أجنحتهم الفندقية الفارهة. ما يفعله ولي العهد بدلاً من ذلك هو محاولة إجبار الأثرياء على التنازل عن عشرات المليارات من الدولارات من ممتلكاتهم لتجنب المحاكمة ومن ثم استعادة حرياتهم. وهذا أسلوب فظ لنظام استبدادي لا يصلح بحال لدولة يحكمها القانون”.
وتتساءل الصحيفة : “لماذا قرر ولي العهد – الذي ينتقد أقرانه وزملاءه المتورطين في إثراء أنفسهم – إنفاق ما يزيد على نصف مليار دولار ثمناً ليخت ضخم وفيلا في فرنسا مقامة على أرض حديقة مصممة بعناية تقدر مساحتها بسبعة وخمسين فداناً؟
و تعلق الصحيفة قائلة". ولكن الرمزية فظيعة، حيث تدل على أن لدى ولي العهد رؤيتين، واحدة لشعبه وأخرى لنفسه”.
و تمضي الصحيفة : "لو كان فعلاً مهتماً بإثبات أن قيادته مستنيرة وعصرية فإن عليه أن يفتح أبواب السجون التي يقبع فيها أناس مبدعون، وخاصة الكتاب الذين ينتقدون النظام والمتشددين من رجال الدين، سجنهم هو وأسلافه ظلماً وعدواناً".
وتشير هنا : “كان مؤخراً قد شن حملة قمع جماعية شملت رجال دين ونشطاء وصحفيين وكتابا من أصحاب التأثير على الرأي العام، بتهم غامضة تدور حول الزعم بأنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي. وكان الأولى به ترك هذه الأصوات حرة بل وتشجيعها على المزيد حتى تساهم في بناء المجتمع الذي يدعي أنه ينشده”.
نهاية؛ ان مسلسل الفساد الذي أخرجه بن سلمان بدأ يصدم السعوديين أنفسهم ليضرب كلمة العدالة لمملكة لا تملك من العدالة مثقال ذرة ويحدث شرخا كبيرا في عباءة الشفافية التي لم يراها السعوديون الا غموضا تتوالى فصوله تباعا وتثير التساؤلات حول التسويات التي أجراها بن سلمان مع المعتقلين.