الوقت- 48 ساعة تفصلنا عن الموعد المؤجّل لمفاوضات أو محادثات جنيف بين الأطراف اليمنية، ولا ريب في أن بدء أي حوار يمني- يمني حاليا هو مقدّمة طبيعية لإنهاء العدوان السعودي على الشعب اليمني وإنتاج حل سياسي داخلي تحت رعاية الأمم المتحدة.
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية لتأجيل مؤتمر جنيف من غد الأحد إلى الإثنين، والذي علّلته الأمم المتحدة "بسبب تأخر وصول أحد الوفود"، تعتبر الإنطلاقة الأولى للمحادثات بين "حلف صنعاء" أي القوى السياسية المنواجدة على الأراضي اليمنية و"حلف الرياض" أي القوى السياسة المتواجدة في الرياض ممثلةً بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته المستقيلة أيضا خالد بحاح، نقطة البداية لرسم "المشهد اليمني" الجديد.
باتت مشاركة الوفدين شبه حتميّة، فالسعودية أيقنت بعد شهرين ونصف من العدوان فشل العملية العسكرية الجوية في تحقيق الأهداف الموسومة لها وعدم قدرتها على خوض حرب برية ان الحرب وصلت الى نهايتها، في المقابل تتقاطع هذه المشاركة مع مطالب أنصار الله بإنهاء العدوان القائم على الشعب اليمني، كما أن أي رفض من هذه الحركة لمفاوضات من دون شروط مسبقة سيعرّضها للإتهام بعرقلة "مساعي السلام" من قبل الأمم المتحدة، وهذا ما ترفضة أنصار الله جملةً وتفصيلاً كونها من طلائع الأطراف اليمنية التي دعت إلى الحوار، بل ذهبت إليه في مسقط رغم تخلّف الآخرين.
لن تكون مهمّة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومبعوثة الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد "سهلة" في جنيف، حيث سيبدآن المشاورات مع الوفود اليمينة التي ستتألف من 14 عضو(7أعضاء لكل طرف) مساء الإثنين في غرف منفصلة، الغرفة الأولى تضم قوى الداخل أو فريق صنعاء الذي لم تحدّد هويته بعد أم الغرفة الثانية ستضم قوى الخارج أو فريق الرياض الذي سيضم وفق مصادر إعلامية وزير الخارجية رياض ياسين، ووزير حقوق الإنسان، عز الدين الأصبحي، والقيادي الجنوبي في حزب المؤتمر الشعبي العام أحمد الميسري وأمين عام حزب الرشاد، عبد الوهاب الحميقاني.
وعلی أی حال، الصيغة الأولية لمفاوضات جنيف التي تأتي بعد حوالي الـ80 يوماً للعدوان السعودي، ستجري بطريقة غير مباشرة، يؤدي فيها الأمين العام للأمم المتحدة دور الوسيط.
بين المؤتمر والميدان
عندما تذهب أطراف الصراع في أي بلد ما إلى طاولة المفاضات، فهذا يعني ان هناك فرصة للحل السياسي وبالتالي استعداداً لتقديم تنازلات والتوصل الى نتيجة. لكن السعودية ممثلاةً بالرئيس المنتهية ولايته وافقت مرغمة على المفاوضات مع حركة أنصار الله، لا بل نجحت الحركة في فرض شرطها الوحيد "الحوار دون شروط مسبقة" رغم رفض الرياض هذا الأمر مسبقاً، إلا أن نتائج الميدان أجبرت السلطات السعودية على الرضوخ لمطالب حركة أنصار الله.
يطمح الرأي العام اليمني أن تكون هذه المفاوضات، مفتاحاً لحل الأزمة وإنهاء العدوان السعودي على الشعب اليمني والعودة إلى الحوار الوطني في صنعاء، إلا أن الرياض ستعاين من خلال ممثليها سقف المكاسب التي يمكن أن تجنيها من سلّة أهدافها السابقة. لكن المبعوث الأممي ولد الشيخ إسماعيل بات على قناعة "بأن الحلّ الأنسب للسعودية هو القبول بالعودة إلى مقررات الحوار اليمني برعاية المبعوث السابق جمال بن عمر، لأن أنصار الله ستحقق مكاسب أكبر من تلك التي تعطيها اياها تلك المقررات، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه حالياً"، وفق مصادر صحفية.
تدرك السعودية جيداً أن أي مفاوضات ثنائية محكومة بنتائج الميدان، لذلك ترغب في تسميتها محادثات وليس مفاوضات، كما أنها رغم إعلان المتحدث باسم الأمم المتحدة في جنيف أن "مشاورات بشأن الأزمة اليمنية في جنيف ترتكز على ثلاثة محاور هي المبادرة الخليجية ومقررات الحوار الوطني اليمني إضافة إلى قرارات مجلس الأمن وبخاصة القرار 2216، تسعى الرياض للترويج مسبقاً أن هذه المفاوضات (المشاورات) تهدف فقط لتحقيق قرارات مجلس الأمن وبخاصة القرار 2216، وبالتالي الحصول على مكاسب في السياسة فشلت في تحقيقها ميدانياً.
رغم العرقلة السعودية بدءاً بتحويله من مؤتمر حوار إلى تشاور لإبقاء حالة العدوان قائمة، مروراً بنسف الاتفاقات التي كانت القوى السياسية قد أنجزتها سابقا بما يعني إلغاء اتفاق السلم والشراكة كمرجعية، وصولاً إلى فرض شروط مسبقة على قاعدة "وهم المنتصر" تخل بمبدئ الحوار وتنسف صبر وصمود وتضحيات أبناء اليمن، تحزم حركة أنصار الله أمتعتها للسفر إلى سويسرا علّها تنجح في كبح جموح العدوان السعودي، وإعادة الأمن والإستقرار إلى ربوع الوطن.
ختاماً، قد یرسم مؤتمر جنيف مستقبل اليمن في حال توصّلت الأطراف اليمنية إلى صيغة نهائية ترضي الجميع، إلا أن الثابت بصرف النظر عن التنازلات التي تقدّم من كلا الطرفين هو إحتكام النتائج لوقائع الميدان.