الوقت - مع اعلان السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي عن منع (الحشد الشعبي) من المشاركة في الانتخابات المقبلة، يكون الوسط السياسي العراقي قد انقسم على نفسه بين مؤيد للقرار، من باب(عدم عسكرة الدولة) وبين رافض باعتباره قرار فيه(انكار لحقوق الحشد) الذي طالما كان وراء الانتصارات الكبيرة على الارهاب، وان تضحياته تؤهله ان يكون ممثلا للشعب سواء في الانتخابات التشريعية أو المحلية .
رئيس الوزراء لم يات بشيء جديد، فقانون الاحزاب ينص البند الثالث من المادّة الثامنة من قانون الأحزاب السياسيّة.(يحظّر تسجيل أيّ كيان سياسيّ يتّخذ شكل التنظيمات العسكريّة أو شبه العسكريّة. كما لا يجوز الإرتباط بأيّ قوّة عسكريّة) لكن ورغم وضوح النص الاّ أن تيارات سياسية عديدة لديها فصائل مسلحة شاركت في الانتخابات السابقة باسماء وعناوين بعيدة عن المسميات(العسكرية) ولديها من يمثلها الان في البرلمان العراقي أو في مجالس المحافظات، مثل بدر والعصائب والتيار الصدري.
لاشك أن الواقع الامني الجديد، وما شهده من انتصارات ضد الارهاب، وظهور(الحشد الشعبي) كحقيقة ميدانية، لهذه الانتصارات، ليس على مستوى الانجاز العسكري فقط بل على المستوى الديني والقيمي، وحجم التضحيات الكبيرة التي قدّمها، يقابلها زهد في الظهور الاعلامي، ورضا بالقليل من المال، سواء على مستوى القادة أو على مستوى الافراد، كل هذه الامور مازالت حاضرة في نفوس العراقيين، الذين يعتقدون أن الاحزاب السياسية المتصدية للعملية السياسية في العراق، قد اثرت على حساب الشعب، وفشلت في ادارة الدولة، وكانت سببا في تفشي الفساد الاداري والمالي، وبذر فالشعب لايمكن أن يأتمنها على مستقبله، ولم يجد أمامه سوى مشروع (الحشد الشعبي) من وسيلة لانقاذ البلد، معتقدا ان من قدّم التضحيات الجسام في معارك التحرير، واستجاب لنداء المرجعية، واخلص لدينه ووطنه، وكتب الله النصر على يده، ورضي بالاقل من المال والامتيازات، هو الاكثر اطمئنانا في أن يمثل الشعب، كما أن قياداته الميدانيون اللذين ارتدوا البدلة الخاكي، وهجروا المناصب والغرف المكيفة وقاتلوا في الخطوط الامامية ورابطوا في الحصون وشاركوا النازحين همومهم وطعامهم، لابد أن يكافؤوا على قدر فعلهم، وهم الاولى في ادارة هذا البلد والاكثر ثقة في ايداع البلد بأيديهم، فمن أرخص دمه رخصت عليه مباهج الدنيا.
أخرون يرون في الحشد الشعبي، مشروعا مدنيا أكثر من كونه مشروعا عسكريا، وهم يرون أن (الحشد) التحقت به مختلف الاعمار والمهن والقوميات والطوائف والاديان، وان انضمامه الى القوات الامنية يمنع كثيرون من هؤلاء المتطوعين الالتحاق بالقوات المسلحة النظامية، فشروط الالتحاق بالقوات المسلحة لاتنطبق على الاغلب منهم، بسبب مستوى العمر أو ان كثيرا منهم من اصحاب المهن، فيما سيغادر الموظفون منهم ويلتحقون بدوائرهم، ويغادر رجال الدين، ومن ليس لديه رغبة في التطوع الخ. وهذه الشخصيات لابد أن نجد لها طريقا لخدمة الوطن، لما شهدناه منهم من صدق وتفان، وان المنتصر في الحرب حتما سينتصر في ميدان العمل المدني خاصة وان العراق مقبل على تنمية وبناء ولابد من ان يتولّى المخلصون هذا المشروع .
الاحزاب المعارضة لان يكون الحشد أو أي جهة سياسية تمتلك فصيلا مسلحا له الحق في المشاركة في الانتخابات، يعتقدون أن القوات المسلحة العراقية بدأت تتكامل في صنوفها وعددها وتسليحها وتدريباتها وانها جاهزة لادارة الملف الامني والحفاظ على سيادة العراق وامنه وترابه وحدوده وأن التحاق وانضمام قوات الحشد اليها، قد أضاف لها عنصر القوة والمنعة وقد آن الأوان لفك الارتباط بين المقاتل وقياداته، وعليه أن يستلم أوامره من قياداته العسكرية وليس السياسیین !!
من جهتها فأن الاحزاب السياسية (الراسخة في السلطة) ترى في (الحشد) منافسا قويا وفاعلا وتخشى أن يسيطر على مقاعد البرلمان ومجالس المحافظات وبدا تخسر خسارتين، الاولى امتيازاتها في القبض على السلطة والثانية الكشف عن فسادهم، وما فيه من مخاطر في احالتهم الى الجهات القضائية ومحاسبتهم!!.
احزاب المناطق الغربية منقسمون الى فئتين الاولى ترى في (الحشد) خصما باعتبارأن أغلب الملتحقين به إما من (الشيعة) او من (السنة) الذين يرتبطون معهم بمصالح مشتركة حيث قاتلوا معا وحرروا الارض معا ومازالت لهم تفاهمات كثيرة في ادارة المناطق التي حررت!!
الفئة الثانية ترى في الحشد(صديقا) وهم مجموعة النواب الذين لم ينخرطوا في (الاجندات الخارجية)، وكانوا قريبين من ابناء محافظاتهم اثناء المحنة وما بعدها، وفيهم من ارتدى بدلة القتال وقاتل الارهاب، وله علاقات متميزة مع الحشد وقادته .
لاشك ليست جميع فصائل الحشد وفصائل المقاومة، لديهم رغبة في الانخراط في العمل السياسي، فمنهم من يرغب أن يدخل بقوة وبحضور متميز، وقد سخر جميع الامكانيات التي تؤهله لذلك بما في ذلك الشؤون التي لاتوافق قانون الاحزاب، سواء في الاسم أو الشعار، بل أخفى انه جزء من (المقاومة) في اعلامه وسواه. فيما هناك فصائل لاترغب الانخراط بالعمل السياسي وترى انها شكّلت وعملت وخاضت غمار المعارك كونها (فصيل مقاومة) لاغير، وهذه مهمتها التي لاتقف عند خارطة العراق بل(حيث الدفاع عن العقيدة والمقدسات وعن المظلومين في العالم)
هناك مشكلة تواجه فصائل المقاومة والحشد، وهي (كيف لهم ان ينزلوا في قائمة واحدة، وهناك توجهات مختلفة، وكل فصيل يعتقد انه الاكثر انجازا في المجال العسكري، فيما تعتقد الفصائل التي سبقت لها المشاركة في الانتخابات السابقة، أن على الفصائل الاخرى الانصياع لها باعتبار انها الاكثر حضورا في المشهد السياسي والاكثر خبرة !!
قد يعتقد البعض أن تحذير السيد رئيس الوزراء من منع مشاركة الحشد الشعبي في المشاركة في الانتخابات سيوقف توجه الحشد في المشاركة، والحق أن قادة الحشد وفصائل المقاومة لديهم قراءة دقيقة لقانون الاحزاب العراقي، وقد أوجدوا كل الحلول التي تؤهلهم للدخول في المشاركة، ويبقى السؤال:
1-هل أن لدى قادة الحشد الخبرة والثقافة الانتخابية الكافية لدخول (لعبة الانتخابات) لما فيها من فنون وحسابات؟
2- هل سيتمكنون أن يحوّلوا انتصاراتهم العسكرية الى انتصارات سياسية؟
3-كيف سيواجهون الاحزاب (الراسخة في السلطة) وقد خبرت لعبة الانتخابات ومفاجأتها وتقلباتها وحجم التخطيط والمنافسة بها .
4-هل أدركوا, حجم التحديات التي ستواجههم في ادارة الدولة، وأعدوا الحلول؟
5-هل ادركوا انهم سيواجهون حملة اعلامية وضغوطا هائلة من (الاعداء التقليديين) بدأ من الولايات المتحدة الى الدول الخليجية الى اعداء الداخل؟
6- هل ادركوا أن فشلهم في تسويق تجربة الحشد سياسيا، سيضيعون على بلدهم وعلى انفسهم فرصة المشاركة في بناء واعمار بلدهم وفي صناعة بلد خال من الفساد ليكون موضع تقدير لدى العالم؟
بشكل عام، أن العراق يبحث عن فرسان ومجاهدين، عبروا عن قوتهم وصمودهم في وجه الارهاب وانتصروا عليه، واستطاعوا أن يكونوا موضع تقدير كل شعوب الارض، فهل ستحمل الانتخابات المقبلة، سواء كانت محلية أو تشريعية عنصر المفاجأة، في انتاج قيادات متميزة، تتولى تطهير الدولة من المفسدين، وتأخذ بايدي شعبها حيث مواطن البناء والاعمار، وحيث تفجير الطاقات المبدعة، لنصنع دولة بحجم تاريخنا وتضحياتنا؟
بقلم الكاتب والمحلل السياسي محمود الهاشمي