الوقت- تتّجه الأنظار في الوقت الراهن إلى مدينة الرقة السورية، التي كانت تشكل المعقل الرئيسي لتنظيم داعش الإرهابي، قبل دخول ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيًا إليها قبل أيام، الأمر الذي ترك الباب مفتوحًا لتساؤلات عديدة ووضع علامات استفهام كثيرة حول الأهداف الأمريكية من الأحداث الأخيرة، وما سيؤول إليه وضع المنطقة في مرحلة ما بعد داعش. للوقوف عند ذلك، أجرى موقع الوقت الإخباري اتصالات هاتفية بكلٍ من الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أمين حطيط والمحلل السياسي السوري الدكتور طالب إبراهيم.
في بداية كلامه، اعتبر حطيط أن "الكلام الذي يدور حول سيطرة "قسد" على الرقة من داعش، بحاجة إلى تدقيق، فأمريكا التي تأمر الفريقين، أمرت داعش بتسليم الرقّة إلى قسد، بعد أن دمّرت المدينة تدميرًا شبه كامل وأخرجت سكانها منها، وخلقت لنفسها فرصة الدخول من باب إعمار المدينة للسيطرة عليها بعد داعش. أمّا الأهميّة التي تريدها أمريكا في هذه المنطقة، فهي القول بأنها احتلّت عاصمة داعش، وتريد أن تحوّلها لعاصمة إقليم كردي ذو نزعة إنفصالية. وهذا الأمر تريده أمريكا من أجل تعزيز التقسيم في المنطقة وتعويض خسائرها الإستراتيجية جرّاء فشلها في العدوان السابق."
وحول ماهيّة الرقة الديمغرافية قال حطيط: "تحسّبت أمريكا لهذا الأمر وقصفت الرقة ودمّرتها بنسبة 80 إلى 85 بالمئة، وأخرجت سكانها منها بنسبة 80 بالمئة، وبعد إفراغ المنطقة من سكانها العرب، مهّدت الطريق لـ "قسد" للقيام بما تريد". وحول إدخال قوات حفظ السلام الدّوليّة إليها قال العميد المتقاعد: "تسعى أمريكا لصنع خطوط فصل بحماية دوليّة، وأعتقد أن هذا المشروع بحاجة لقرار من مجلس الأمن، وروسيا لن تسمح بتمرير قرار كهذا، لأن قوات الطوارئ الدولية ستكون كقوّة أمريكية بديلة."
وختم كلامه متحدّثًا عن مستقبل الرقّة عسكريّا وسياسيا: "في المرحلة الحالية تعمل سوريا على استعادة السيطرة على أراضيها وفقا لجدول الأولويات، عندما تفرغ من دير الزور ستتوجّه إما إلى الرقة أو إلى إدلب، في حال بقيت تركيا على إصرارها بالإنحراف عن مخرجات مؤتمر السلام."
من جهته اعتبر الدكتور إبراهيم أن "أهميّة الرقة الإستراتيجية جعلت الأمريكيين يحاولون ضمّها إلى كيان كردي مزعوم قد يمكنهم اللعب بورقته في وقت من الأوقات."
وأضاف: "هدف الولايات المتّحدة الأمريكية واضح بما لا يقبل اللّبس، وهو تقسيم سوريا، العراق وتركيا. وعملية التقسيم هذه لا تزال حتى الآن قيد الإجراء ولم تكتمل فصولها بعد. وما جرى في الرقة من إبادة جماعية لم يشهد تاريخ الحروب المعاصرة مثيلًا له. فالرّوس قالوا أن المدينة مسحت من على سطح الأرض. وأكثر من ذلك، هناك تهجير كامل للقرى العربية من الرقة واستبدالها بأكراد. الأمر يشبه ما جرى في بعض القرى العربية في محافظة الحسكة عندما طرد العرب منها، وعندما غزوا بعض العشائر وحاولوا تهجير أبنائهم باتجاه الداخل السوري، كريف حلب ومناطق أخرى. هناك عملية تحويل سكاني وإبادة عرقيّة ممنهجة للمدن والقرى العربية، وإبادة للذاكرة الثقافية العربية في المنطقة، وهذا أمر يشبه كثيرا ما قام الإحتلال الإسرائيلي بتغيير أسماء المدن، فعين العرب مثلا أصبحت كوباني، والقامشلي باتت قامشلو. نحن الآن أمام عمليّة لا تقلّ خطورة على الإطلاق عن مّا قام به الكيان الصهيوني العنصري إبّان نشأته في عهد بنغوريون وشامير وشارون، عتاة مجرمي الحرب برعاية بريطانية في ذلك الوقت. في الموضوع الكردي اليوم استبدلت بريطانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وبنغوريون العصر الراهن هو مسعود البارزاني، وإن كان الأكراد ليسوا يهودا في نظرنا على الإطلاق، فهناك نسبة كبيرة منهم، حوالي الثلثين، يخالفون البارزاني."
وتعليقًا على المساعدات الأمريكية المستعجلة أردف ابراهيم: "بعد التدمير هناك عملية إعادة البناء التي تقتضي استبدال السكان بسكان آخرين، وعلى عجل، وفرض أمر واقع، هذه مسألة إستيطانية تكون بؤرة لدولة جديدة، تماما كما حصل عندما دمّروا دير ياسين وبرك سليمان والعديد من القرى الفلسطينية بهذه الطريقة، وتغيّرت أسماؤها من أسماء عربية إلى أسماء عبرية. إن أمرًا من هذا النوع يحصل تماما وهذا هو الهدف الحقيقي والمباشر."
وحول مستقبل الرقّة تحدّث إبراهيم: "مستقبل الرقة رغم ما سبق عرضه يحدّده الجيش العربي السوري وحلفاؤه. الرئيس الأسد منذ عامين ونصف أو ثلاثة أعوام قال: يا رقة قادمون، وهو من الرجال الذين إذا وعدوا وفوا، ونحن كمواطنين سوريين نقول: قادمون يا رقة ويا حسكة ويا قامشلي ويا عين العرب ويا كل الأراضي السورية. سوريا بُنيت بدماء الآباء والأجداد، لن نسمح لأحد بأخذ جزء منها على حين غرّة."
وتابع المحلّل السياسي السّوري: "أولوية الجيش السوري اليوم هي تدمير داعش والقضاء عليها، وبعد ذلك أعتقد أنه علينا، وهذا حتما لا يغيب عن ذهن صانع القرار السوري، أن نقول للأمريكيين تفضلوا غير مطرودين من سوريا والعراق، أخرجوا خاسئين ملعونين. وإذا لم يخرج الأمريكي الذي وضع عدة قواعد في سوريا بهدف استكمال مشروعه التقسيمي، يُخرج محمّلا مقتولا بالقوّة. فالمقاومة التي طردت 600 ألف جندي أمريكي من العراق، وحرّرت جنوب لبنان قادرة أن تطرد بضع آلاف من الأمريكيين أو أن تحيلهم رماد في أيام وليس في أسابيع. اعتقد أن هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا. بعد ذلك وعندما ترى ما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية أن الولايات المتحدة غير موجودة وغير قادرة على حمايتها، ستذوب وتتفكّك تلقائيًّا. نحن مجمعين أن عهد البارزاني انتهى، وهو عرّاب الإنفصالات والجماعات الخائنة، التي خانت الأكراد والعرب على حدّ سواء، وهذا الأمر سيعني أن من يفكر في تدمير وتقسيم الدولة السّورية سيختفون، ستبقى جماعات محدودة جدّا تتحدّث بهذه الطريقة، لكن غالبية الأكراد وكلّ مثقفيهم تقريبا يريدون البقاء في حضن الوطن السوري."
وختم إبراهيم كلامه قائلا: "لا أعتقد أن الآخرين قادرون على الذهاب إلى حرب مفتوحة مع الجيش السوري وحلفائه. لا سيما أن هذا الجيش قد انتهى من القسم الأكبر من الحرب، وقد قلنا سابقا أن من هزم داعش والنصرة وجميع الجماعات الإرهابية قادر أن يهزم هذا المكوّن المدعو قوات سوريا الديمقراطية ولو وقفت معه مئة أمريكا."