الوقت- على وقع إعلان رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، يحيى السنوار، أنّ إيران الداعم الأكبر لكتائب القسام، حطّ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري في طهران، في زيارة له هي الأولى لطهران منذ انتخابه، والثانية بعد ترأسه المرة الأولى وفد الحركة في لقاءات المصالحة بالقاهرة.
وتكمن أهميّة الزيارة كونها تأتي بعد فترة وجيزة على الهيكلة السياسيّة الأخيرة للحركة، من ضمنها تعيين قائد حماس في الضفّة نائباً لرئيس المجلس السياسي، وكذلك كونها الأولى خارجيّاً بعد المصالحة الفلسطينية في القاهرة.
الزيارة التي ستستغرق أيام عدة للوفد الذي يترأسه صالح العاروري، تعدّ الثانية من نوعها منذ أغسطس الماضي الأمر الذي يرسم صورة فيها الكثير من الوضوح عن ملامح المرحلة القادمة.
وفي ظل تأكيد الجانبين على تعزيز العلاقات الثنائية واستراتيجيتها، يحمل التقارب الثنائي الذي طوى منذ زمن مرحلة ترميم الخلافات السابقة مع القيادة السياسيّة السابقة، أبعاد ودلالات مرتقبة يمكن الإشارة إليها في جملة من النقاط:
أوّلاً: يبدو واضحاً أن العلاقات بين حماس وطهران قد دخلت مرحلة جديدة عزّزتها القيادات العسكريّة التي تدير الملف السياسي في حماس بدءاً من السنوار الذي قال إن مطلب نزع سلاح حماس "كحلم إبليس في الجنة" وليس انتهاءَ بالعاروري الملقّب بـ"المطلوب رقم 1 في بيروت". في الحقيقة، لم تبرد العلاقة بين طهران والقسام حتى في أوج الأزمة التي حدثت قبل سنوات، وبالتالي إن وصول قيادات القسّام إلى المكتب السياسي سيعزّز العلاقات السياسيّة بين الجانبين، تماماً كحال العلاقات الدافئة مع كتائب القسّام، وهذا الأمر يعدّ اليوم أحد اهمّ أسباب الخشية الإسرائيلية.
ثانياً: يعد هذا التقارب حاجة أكثر من ملحّة للقضيّة الفلسطينية خاصّة بعد الوثيقة التي أصدرتها حماس قبل أشهر وحاول البعض تجييرها لصالح صفقة القرن التي تعدّ في البيت الأبيض، وبتواطئ عربي، وتهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينية. المرحلة اليوم هي مرحلة التفكير المشترك بين طهران وغزّة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وملفاتها المختلفة، وفق ما أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام الذي وصف العلاقة مع الحركة بالاستراتيجية والمتميزة.
ثالثاً: يخدم التنسيق الجديد، من قبل أبرز الداعمين السياسيين للحركة، المصالحة الفلسطينية الأخيرة التي لطالما شدّدت عليها ايران على أعلى المستويات، فقد أعلن قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي في المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية قبل ثمانية أشهر ان ادارة الخلافات والتباين في التصورات والاذواق فن ينبغي على كل التيارات الاصلية استخدامه، وان تنظم خططها الكفاحية المختلفة بحيث لا تضغط الاعلى العدو، وتؤدي الى تقوية العمل الكفاحي. وأضاف: ان الوحدة الوطنية على اساس الخطة الجهادية ضرورة وطنية لفلسطين يتوقع من كل التيارات المختلفة السعي لتحقيقها من اجل العمل وفق إرادة كل الشعب الفلسطيني. تعي حماس جيّداً أهميّة التنسيق مع الدولة التي تعتبر الداعم الوحيد عسكريًا للحركة، ومن أهم الداعمين الأساسيين لها كون هناك سعي أمريكي إسرائيلي لتقويض فرص نجاح المصالحة الفلسطينية أظهرتها التصريحات الصادرة عن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في الحكومة الإسرائيلية (الكابينت)، والتصريحات الصادرة عن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
رابعاً: أدركت القيادة السياسيّة الجديدة في حماس ضرورة تعزيز العلاقات مع طهران، خاصّة أنها الداعم الأكبر للحركة وفق السنوار الذي أكّد أن إيران كانت الداعم الأكبر لكتائب القسام وأن القوة التي يمتلكها القسام اليوم كان الجزء الأكبر منها من إيران. يبدو أن هناك تطلّع في الحركة للحافظ على العلاقات مع الجميع، والابتعاد عن خلافات أو صراعات المحاور، بل تجيير جميع الحوافز لخدمة القضية الفلسطينية، كتلك الوصيّة التي قالها الرئيس السوري بشار الأسد للرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل. ففي حين تعزّز حماس علاقاتها مع "الداعم الأكبر"، تركّز اليوم على بناء علاقات قويّة مع مصر نظراً للبعد الاستراتيجي الذي تمتلكه القاهرة سواءً من الناحية الديمغرافيّة والسياسيّة أو من ناحية إضفاء البعد العربي على الحركة، والذي يسعى البعض ليوم لسلخه عنها في إطار مشاريعه السياسيّة. في البعد العربي أيضاً، يمكن لطهران أن تؤدي أدوار تعجز عنها أطراف أخرى كعودة الحركة إلى دمشق حيث يرى مراقبون أنّ طهران، وبالتنسيق مع حزب الله، تعدّ ممرّاً إلزامي لعودة الحركة إلى دمشق. هناك تعويل كبير على دور العاروري في هذا السياق.
التحدّيات التي تنتظر حماس ليست بالسهلة، سواء بسبب الحلف العربي الضاغط عليها للدخول في تسوية، تصفية، للقضيّة، أو بسبب محاولات العرقلة الداخليّة، إلا أن مستقل الحركة، والقضيّة، يبدو مُشرقاً في ظل التوجّه السياسي الجديد لها، ولعل هذا الامر هو الذي دفع قائد الحركة في غزّة السنوار إلى القول بأن زمن الاعتراف بإسرائيل قد ولى، ولا أحد لديه القدرة على ذلك، لأن هدفنا هو محوها من الخريطة، إلا أنّ هذا المحو يتطلّب لا ثالث لهما الكفاح والوحد.. سرّ زوال دول اسرائيل.