الوقت - المرحلة القادمة لا تحمل أخباراً جيدة للكيان الإسرائيلي الذي حاول جاهدا خلال السنوات الماضية وخاصة بعد حربه على قطاع غزة عام 2009، تشتيت المقاومة في فلسطين والتغلغل في صفوفها عبر جواسيس تقوم بتجنيدهم، فضلا عن قيامها باعتقال أبرز المقاومين الفلسطينيين أو إخراجهم من فلسطين وفي حال تعذر الأمرين تخطط لعمليات اغتيال ممنهجة تستهدفهم من خلالها.
ورغم ذلك لم يستطع كيان الاحتلال بأي شكل من الأشکال ابعاد المقاومة الفلسطينية عن أهدافها أو ابعاد جمهورها عنها رغم كل الضغط الذي يمارسه على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وما يجري اليوم خير دليل على أن المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها وخاصة حركة حماس ماضية بمشروعها المقاوم عبر شقيها السياسي والعسكري، وما يؤكد هذا الأمر ويجزمه تعيين حركة حماس لـ "صالح العاروري، رئيس الجناح العسكري لحركة حماس في الضفّة الغربية"، وإعادته إلى المشهد السياسي حيث انتخبته الحركة في منصب نائب رئيس مكتب الحركة الإسلامية السياسي الذي يشغله إسماعيل هنية منذ أيار/مايو 2017.
تعيين العاروري شكل صدمة للكيان الاسرائيلي الذي لم يدخر جهدا في نشر عشرات التقارير والمقالات عن خطورة هذا الرجل وكم يشكل تهديدا للاسرائيليين، وما أثار خشية الاسرائيلي أكثر وأكثر أن العاروري وفور وصوله إلى بيروت بعد أمره بترك دولة قطر مع عدد من قيادات حماس، إلتقى بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وبحسب قيادات في "حماس"، فإن الاجتماع استمر لساعات بحث فيه الطرفان سبل تطوير عمل المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى إعادة العلاقات مع سوريا.
أمر آخر غاية في الأهمية يتمثل في أن تعيين العاروري في هذا المنصب سيساهم بدخول عصر جديد للمقاومة الفلسطينية أكثر قوة وأكثر ثباتا وسيقوي الجناح العسكري والسياسي لحركة حماس، فاليوم الجناح السياسي يخوض مباحثات وحوارات مصالحة وطنية مع حركة فتح برعاية مصرية، وأكدت مصر أن تعيين العاروري لن يؤثر على مسألة المصالحة، لأن ذلك يأتي في إطار التعيينات الداخلية لحركة حماس، هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإن تعيين العاروري في هذا المنصب معناه مباركة الجناح المسلح لجميع الخطوات السياسية، وله معنى إيجابي يصب في خانة المزيد من التطمينات، وأن جميع أجنحة حماس مع المصالحة.
القلق الاسرائيلي
على الرغم من كل الأزمات التي أصابت دول الجوار للكيان الإسرائيلي لم تنته النتيجة لصالحه، بل أصبح أبعد ما يكون عن تطلعاته وأهدافه، فالاسرائيلي توقع أن دخول حزب الله إلى المشهد السوري سيضعفه ويبعده عن أهدافه، لكن النتيجة جاءت عكس ما توقعه الصهاينة، حيث تنامت قوة حزب الله وزادت خبرته وتجربته، أما فلسطينيا فقد أقلق الاسرائيلي تعيين العاروري نائبا لرئيس مكتب الحركة الإسلامية السياسي، لما لهذا الأمر من تبعات خطيرة يعلم الصهاينة أبعادها بشكل جيد.
ولم يُخف الاعلام الاسرائيلي خشيته من هذا الأمر، فقد كتب المحلل الإسرائيلي، يوآف ليمور، في صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن تعيين صالح العاروري، نائبا لرئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، في خضم محادثات المصالحة مع السلطة الفلسطينية، يدل على أن الحركة لم تتخل عن خطتها الاستراتيجية في السيطرة على الضفة الغربية. وقال المحلل الإسرائيلي إن العاروري، خلافا لهنية والسنوار، رجال غزة، فهو رجل الضفة، من منطقة رام الله، وبناء على ذلك سيكون ممثل الحركة في الضفة.
وأضاف أن اختيار هنية العاروري رقم 2 في الذراع السياسي للحماس، يعني كذلك أن هنية ينوي البقاء في غزة في المستقبل، ويتكل على العاروري لإدارة شؤون الحركة خارج البلاد. وكتب المحلل أن الذي يعرف العاروري عن قرب يعلم أنه لن يغيّر نهجه في إطار منصبه الدبلوماسي الجديد. "العاروري ذكي جدا، ومتطرف جدا ومتمسك بالدين ويتكلم اللغة العبرية بطلاقة ويعرف إسرائيل على نحو عميق. وقد اكتسب ذلك خلال فترة سجنه الطويلة في إسرائيل".
وما يجعل الإسرائيليين يخشون هذه المرحلة هو أن العاروري لديه علاقات مميزة مع حزب الله وايران وبالتالي فإن على الاسرائيليين الأخذ بعين الاعتبار هذا الامر في الايام القادمة، لأن الحروب القادمة لن تكون نزهة، خاصة أن حزب الله وحماس ماضون في مشروعهم المقاوم، وهذا ما أكده رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الذي قال إن أسلحة "المقاومة"– في إشارة إلى الجناح العسكري للحركة – لن يتم التخلي عنها قبل انتهاء الصراع مع "إسرائيل".
ختاماً، تشير الأحداث السياسية التي تجري اليوم في فلسطين إلى أن الأمور متجهة نحو الأفضل من حيث توحيد الصف الفلسطيني، فالمصالحة بين فتح وحماس تشهد خطوات ايجابية جدا للطرفين، ومهما حاول الكيان الاسرائيلي اثارة الفتن وتشتيت الصفوف لن يفلح فالجميع أصبح على قناعة بأن وحدتهم أفضل بكثير مما كانوا عليه، في انتظار ما ستتمخض عنه نتائج المرحلة القادمة يبقى الأمل سيد الموقف، فالمصالحة قائمة وتتقدم بشكل ايجابي ووصول العاروري إلى المشهد السياسي أغنى الحركة وجعلها أكثر قوة سياسيا وعسكريا.