الوقت - تزداد السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية ضبابيةً وتذهب نحو التعقيد أكثر فأكثر، وما تتخذه هذه الدولة من قرارات سيقزم مكانتها في العالم ويعود بها إلى خمسينات القرن الماضي، وما خروجها اليوم من منظمة "اليونسكو" إلا دليل دامغ على تراجع مكانتها ونفوذها وعدم قدرتها على استحواذ كل ماتريد بالقوة وبالترغيب والترهيب كما كانت تفعل في السابق.
واشنطن تدرك جيدا أن ما تمر به حاليا هو حالة من الفوضى السياسية وما يترجم هذا الأمر الانقسامات التي تشهدها أروقة البيت البيض كذلك الأمر بالنسبة للكونغرس، وعلى مايبدو أن دفة القيادة خرجت عن سيطرة ترامب ولم يعد يستطيع التحكم بشيء ما اضطره للصراخ وإطلاق الأحكام والقرارات وتهديد شعوب العالم واعتباره المنظمات الدولية أنها عديمة الجدوى في كل مناسبة عله يخفي نتائج قراراته اللامسؤولة والاعتباطية.
قرار الخروج من اليونسكو
بالفعل خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة اليونسكو، بعد توقفها منذ سنوات عن تمويلها، وعن التصويت، حيث كانت متوقفة عن أداء دورها كعضو في المنظمة، والجميع يدرك أن المنظمة لم ترتكب أي ذنب سوى أنها قبلت عضوية فلسطين في عام 2011 واعترفت بأن القدس عربية واعتبرت أن المسجد الأقصى تراث إسلامي لاعلاقة لليهود به، كما أنها أدانت أعمال الحفر التي يقوم بها الكيان الاسرائيلي، هذه الأمور وغيرها استفزت واشنطن لكونها لاتصب في مصلحة طفلها المدلل "اسرائيل"، لهذه الاسباب وغيرها سحبت الأخيرة سفيرها في منظّمة اليونسكو احتجاجا، بعد أن فشلت كل محاولاتها في منع صدور مثل هذه القرارات، وتضامنت معها الولايات المتحدة التي أوقفت كل مُساعداتها الماليّة، مما أحدث عجزاً في ميزانية المنظمة بـ 50 مليون دولار.
وعزت واشنطن السبب وراء إنسحابها إلى أن المنظمة تعادي "اسرائيل"، كما أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن أمريكا تعلل انسحابها بأن المنظمة الأممية تتدخل في الشؤون السياسية بالبلاد تجاه القضية الفلسطينية وهذا غير صحيح لأن الاعتراف بالقدس من العلوم الثقافية التاريخية وهذه من ضمن مهام اليونسكو.
ومهما تكن المبررات فإن قرار الإنسحاب ليس بالأمر المفاجئ كون الولايات المتحدة أوقفت نشاطاتها داخل المنظمة منذ فترة طويلة، فضلا عن أن الرئيس الأمريكي الحالي أعلن في أكثر من مناسبة معاداته للمنظمات الدولية، وما يحدث اليوم يترجم مواقف ترامب التي ليست بالجديدة أيضا لكونه أعلن انسحابه في السابق من اتفاقية المناخ، حيث اعتبر أنها لا تؤدي دورها بشكل سليم، ولا فائدة منها، وأصدر ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴؤوﻟﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮيکيين، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻧﻴﻜﻲ ﻫﺎﻟﻲ، ﺗﻨﺪﻳﺪﺍ ﻣﺘﻜﺮﺭﺍ ﻟﻠﻴﻮﻧﺴﻜﻮ.
هذه السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنظمات الدولية ليست بالجديدة فقد حدثت من قبل في عام 1985 اعتراضا على سياسات مدير اليونسكو حينها ومواقفه لأنه أفريقي، ﻭﻳﺄﺗﻲ الانسحاب الجديد ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﻮﺕ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﺪﻳﺮ ﺟﺪﻳﺪ، قد يكون للمرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري النصيب الأكبر بتسلم هذا المنصب كونه تصدر الجولة الرابعة من التصويت على انتخاب المدير العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بـ22 صوتا، تليه مرشحتا فرنسا أودري أزولاي ومصر مشيرة خطاب بـ18 صوتا لكل منهما.
الوضع الأمريكي
ما تظهره نتائج السياسة الأمريكية يعكس بشكل واضح مدى الصراع الداخلي الذي يحدث داخل أروقة البيت الأبيض على جميع المستويات، وهذا بدوره كفيل بتعقيد الأوضاع الاجتماعية والسياسية أكثر فأكثر، فأمريكا اليوم متورطة بحروب عديدة لا تعلم كيف يمكن أن تخرج منها، فضلا عن كونها تخلق لنفسها أعداء كثر في جميع أنحاء العالم بسبب سياستها الاقصائية والعدوانية تجاه بعض الدول.
من الناحية الداخلية تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من وضع اجتماعي مضطرب خاصة بعد المذبحة التي حدثت في لاس فيغاس، ما جعل المجتمع الأمريكي يعيش حالة من الذعر والقلق على أمن بلادهم ومستقبل السياسة فيها، خاصة أن الانقسامات الراهنة قد تأخذ المجتمع الأمريكي إلى مكان لا تحمد عقباه، بمعنى آخر لا يخفى على أحد أن أمريكا محشورة في حرب لا تعرف كيف تخرج منها وقد لا تخرج أبدا، وهو ما عبرت عنه السناتور إليزابيث وارين بقولها هي إذًا حرب إلى الأبد.