الوقت - "تسببت فئة صغيرة مما يسمى بالإسلاميين المتطرفين بظلم كبير لحق بملايين المسلمين حول العالم وخاصة بأولئك الذين يسكنون في الغرب." هذه الفكرة رُوّج لها كثيراً عبر حقبة زمنية طويلة رافقت العديد من التحولات في الشرق وإرتداداتها في الغرب. كذلك هي بدعة "الإسلاموفوبيا" التي باتت تتواتر على كل لسان عند كل حادثة أو إعتداء.. إنها بروباغندا تردد بأن "اللبن أسود" كل يوم حتى تقتنع بسواده في آخر المطاف..
حملات الترويج بأن موجات الهجرة الإسلامية باتت تشكل غزواً للغرب وتهدد التركيبة الإجتماعية والطائفية هناك، أو أن تلك التي تروّج بأن المسلمين يمثلون قنابل موقوتة ديموغرافية منتشرة في كل مكان في الغرب ويمكنها أن تدمر هذه البلاد وتنشر فيها الفوضى لا تتعدى كونها تضليلاً للمجتمع هناك بالدرجة الأولى، وللعالم بأسره كذلك.
الإستدلال بسيط عددياً فالمسلمون أقل من أن يكونوا أقلّية هناك فعلى سبيل المثال لو إستعرضنا هذه الأرقام: المسلمون في أمريكا لا يتعدوا الـ1%، أما في بريطانيا فلا يشكلون سوى 3% من سكان البلاد، وهكذا في باقي الدول الغربية تقريباً، وبتبيان أن معظم هؤلاء من المسلمين ذات النزعة الإنفتاحية والمتأثرين بأفكار تلك المجتمعات كما سبق وشرحنا في مقال سابق "إنسانية مسلمي أمريكا تروض عنجهية ترامب"، يمكننا فهم أن كل ما يروج مجرّد أكذوبة، ويدفعنا للبحث عن المقصّرين الفعليين، وعن الأهداف من وراء هذا الترويج والبروباغندا الغامضة.
أما التقصير فلا يقع على عاتق حاملي لواء الهجوم على المسلمين ودحض وشرذمة وجودهم في الغرب فقط، بل على الضفة الأخرى كذلك فلا محاولات جدّية ومنظمة لمواجهة نشر الإسلاموفوبيا والتحريض الطائفي والعنصري إتجاههم.
فعلى الصعيد السياسي لا نجد سياسين غربيين يجرأون على التعاطف أو الخروج علناً والوقوف في وجه الحملة على المسلمين في الغرب، لأن حالة الصعود التي يشهدها اليمين المتطرف تدفعهم للإنسياق مع هذا التيار، كما أن هكذا صراحة ستفقدهم الدعم الجماهيري الذي بات موجهاً، لذا لن يزيدهم ذلك شعبية بل على العكس تماماً.
والتقصير يمتد على الصعيدين الإعلامي والأدبي فلا كتّاب مسلمين أو عرب أو حتى أجانب يعيرون المسألة جدّية تذكر، لا دراسات ولا إحصاءات ولا مقالات أو أعمدة أو تقارير خصصت أو تخصص دورياً لهذه الأزمة الجديّة إلا القليل القليل.
كذلك المجتمعات والحكومات العربية والإسلامية تشارك في هذا التقصير بشكل مخيّب جداً، فقد نرى الشموع والمعالم والساحات تضاء تضامناً مع ضحايا هجمات ضد الشعوب الغربية، وكذلك الشعوب ووسائل الإعلام الغربية وحتى الشرقية والإسلامية هي الأخرى تتعاطف وتتفاعل بشكل كبير مع العمليات الإرهابية أو الإعتداءات العنصرية التي تشن ضد الشعوب الغربية بشكل عام في الوقت الذي يغيب فيه هذا التعاطف والإستنكار عندما تكون الإعتداءات بحق مسلمين في الغرب، وهذا أمر غريب جداً، لأنه لا يمكننا أن نكون إنتقائيين في تعاطفنا وإحساسنا بالغير، وهذا أمر جوهري وأساسي لأي مجتمع صحي وسليم.
هنا نشير إلى أننا لا نريد القول بأنه لا وجود لتطرف ما تمارسه فئة صغيرة تمثل بضع آلاف من بين مئات الملايين من المسلمين، ولكن القصد من وراء القول إن هذه الإزدواجية باتت تستعمل للتعمية على الجرائم التي تلحق بالمسلمين في هذه البلاد.
والأمر بات جدّياً أكثر مما يظن البعض، فالإعتداءات ضد المسلمين في الغرب بلغت أرقاماً كبيرة جداً والمصيبة الأكبر أن التعتيم على هذه الأحداث والأرقام يزيد من مظلومية هؤلاء، إنها إزدواجية معايير حادة ومتطرفة تتبعها الحكومات والميديا الغربية عموماً. فوصل إضطهاد هؤلاء إلى درجة إمتناع ربّات البيوت المسلمات في هذه البلدان عن الخروج من منازلهن مخافة التهجم عليهن في الشوارع.
وبلغة المعلومات كتب الأستاذ في جامعة فرجينيا ويسليان الأمريكية "آلان جابون" في إحدى مقالاته فأورد التالي: "لدينا الآن إحصاءات من يوروبول (وكالة تطبيق القانون الأوروبية) نفسها أن معظم الإرهاب اليميني المتطرف ضد اللاجئين والأقليات في أوروبا يتم استبعاده بشكل منتظم ومتعمد." ويضيف: "الدول الأعضاء (باستثناء هولندا) لا تعتبر الاعتداءات العنيفة من قبل المتطرفين اليمينيين الذين يستهدفون طالبي اللجوء والأقليات العرقية عمومًا أعمالًا إرهابية!، فمثلاً تم تنفيذ ما يقرب من 10 هجمات يوميًا على اللاجئين في ألمانيا في عام 2016، وفقًا لوزارة الداخلية الألمانية، كما ذكرت في وسائل الإعلام مفتوحة المصدر. في تلك السنة وحدها، ارتكب ما يقرب من 3500 اعتداء ضد السكان اللاجئين، واستبعدت العديد من الأعمال الإرهابية المحتملة من الإحصاءات."
الإرهاب اليوم بات ينسب إلى الإسلام أو الجهاد الإسلامي دون أن ينظر في خلفية العمليات أو فكر المجموعات أو الأفراد الذين نفذوها. الإنحياز في الإتهام أصبح قاسياً جداً وغير دقيق، ويمكن القول إنه متعمّد عندما نقارب المسألة من منظور أن الهجمات التي يشنها مسيحيون أو أبناء أي ديانة أو فكر آخر لا يضاء عليها لا بل تفصل عن المجتمع في تلك الدول وتبرر بشتى السبُل خاصة لو كانت ضد مسلمين.
مؤخراً شاهدنا هجمات باريس الشهيرة، وتلك التي حدثت في بريطانيا كذلك، ولاحظنا الضجة الإعلامية والإستثمار السياسي الذي حصل جرّاء هذه الهجمات. في المقابل الهجوم الذي حصل في أمريكا ومع أنه لا يكاد ينتهي إحصاء أعداد الضحايا الذين تجاوزوا الـ550 شخصاً حتى بات يُبرر للقاتل بأنه كان مضطرباً عقلياً وهو في الوقت نفسه نابغة في عالم العقارات ومليونير!..
هل لو كان مسلماً سيكون التبرير نفسه؟ هل سيختفي الخبر عن وسائل الإعلام خلال يوم واحد فقط؟.. لائحة الأمثلة تطول وإزدواجية المعايير تستمر وتستفحل، أما الواجب اليوم فيقع على المجتمع الإسلامي بالدرجة الأولى، إن في الدول الإسلامية أو في الغرب نفسه، وذلك لتصحيح هذه النظرة الخاطئة ولمحاربة حملات التحريض والتشويه التي يتعرض لها الإسلام هناك والتي تلحق الضرر بالإسلام والمسلمين أنفسهم أينما كانوا..
الوقت-محمد حسن قاسم