الوقت- إنتهت أولى جلسات محاكمة رئيس مكتب صحيفة "واشنطن بوست" في طهران، الصحفي الامريكي من أصل إيراني جايسون رضائيان واثنين اخرين متهمين بالتعاون معه. الجلسة الأخيرة التي عقدت بشكل غير علني وبرئاسة القاضي صلواتي الثلاثاء الماضي في الشعبة 15 في محكمة الثورة الاسلامية أفضت إلى تأجيل المحاكمة.
لم يمنع إتهام القضاء الإيراني لرضائيان الذي اعتقل في 22 تموز/ يوليو في 2014 مع زوجته الصحافية يكانة صالحي التي أخلي سبيلها بكفالة منذ ذلك الحين، بـ"التجسس لصالح دولة معادية، والعمل الاعلامي المناوئ للنظام الاسلامي"، لم يمنع امريكا من المطالبة بإخلاء سبيله وعلى أعلى المستويات بدءأً من الرئيس أوباما وليس إنتهاءاً بوزير الخارجية جان كيري ووسائل الإعلام الممولة حكومياً، فهل تحظى هذه المطالبة بالحد الأدنى من الشرعية؟ وكيف تتعامل أمريكا مع الحالات المماثلة؟ وما هي وجهة نظر القانون الأمريكي في هذا الصدد؟
تعتبر جرائم التجسس من اشد الجرائم فتكاً لأنها تمس حق الحياة لمجتمع بأكمله، كما أن جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج من اشد الجرائم خطراً على كيانها وسلامتها، ووقوعها يتمخض عنه أذى وضرر بليغ يتسع على مدار الأمة بأكملها، فهذه الطائفة من الجرائم ليست جريمة فرد ضد فرد ولكنها في الواقع جريمة ضد المجتمع بأسره.
رضائيان وتهمة التجسس
واجه جايسون رضائيان تهمة التجسّس من المتحدث باسم القضاء الإيراني "لصالح دولة معادية، وكذلك العمل الاعلامي المناوئ للنظام الاسلامي"، وقد دعا النائب عن محافظة طهران في مجلس الشورى الإسلامي حميد رسائي التلفزيون الايراني الى بث اعترافات الصحفي المتهم "رضائيان"، موضحا ان هذه الاعترافات ستوضح الكثير من الاشياء.
وأكد رسائي في تصريح له خلال جلسة الشورى الاسلامي ان "المسؤولين الامريكيين ادعوا ان رضائيان موقوف منذ 200 يوم من دون محاكمة، لكنهم اذا ما استمعوا الى اعترافاته المتعلقة بأنشطته التجسسية على بلادنا بقصد الإضرار بالشعب الايراني فإنهم سيدركون اسباب وجوده في ايران".
وأضاف: المهم ان نعرف من ساعد جايسون رضائيان على الذهاب الى اماكن حساسة في بلادنا بحجة تأدية واجبه الصحافي، وعلى الرغم من ان رضائيان نشر مقالات ايجابية عن ايران بعد زياراته هذه، لكن الاشياء التي هدفت اليها الزيارات كانت تلك التي لم تنشر!
وحول ان زيارات رضائيان كانت تهدف الى التخطيط لزيادة الضغط على الصناعات الوطنية، اوضح رسائي: لا يمكنني كشف المزيد من التفاصيل لكنني اطلب من التلفزيون الايراني عرض اعترافات رضائيان.
رضائيان في القانون الأمريكيّ!
تطالب أمريكا حالياً بالإفراج عن رضائيان رغم أهمية وحساسية التهمة الموجهة إليه ولا تخفي واشنطن أن قضية الجاسوس تتابع على هامش المفاوضات النووية، مع العلم أن التعاطي الأمريكي مع الحالات المشابهة كان في منتهى الصرامة، لذلك لم تكن هذه المطالبة بالإفراج عن "الجاسوس" الصحفي بعيدةً عن الإزدواجيّة الأمريكية على مختلف الصعد، خاصةً أن القانون الامريكي يشدّد على العقوبات المشدّدة للجواسيس بإعتبارها قضية أمن قومي، عقوبات تصل إلى حدّ السجن المؤبد.
الصرامة الأمريكية "المحقّة" تجاه الجاسوس الإسرائيلي المسجون في أمريكا، جونثان بولارد، الذي أمضى في السجن 30 سنة حتى الآن، تفنّد المطالبة الأمريكية وتشرح لنا كيفية تعاطي واشنطن مع الحالات المشابهة لقضية رضائيان. فلم تشفع الوساطة الإسرائيلية -الحليف الأقوى لأمريكا- وعلى أعلى المستويات(بيريز ونتنياهو وغيرهم) للجاسوس بولارد الذي يبلغ الستين من العمر لأن ذلك "سيعتبر استخفافا بصعوبة المخالفة التي قام بها ورسالة بعدم احترام القانون" وفق الإدارة الأمريكية، فلماذا تطالب أمريكا إيران بالإفراج عن الجاسوس الصحفي؟ ألا تخالف هذه المطالبة القانون الأمريكي حتى؟!
في الخلاصة، لا تحرز المطالبة الامريكية بالإفراج عن الجاسوس الإيراني الحد الادنى من الشرعية وفقاً للقوانين العالمية عموماً، والقانونين الإيراني والأمريكي على وجه الخصوص. ويبدو أن القضاء الإيراني سيمضي قدماً في السير القانوني بقضية رضائياً التي تمس الأمن القومي غير آبه بالمطالب الأمريكية "غير المحقّة" حتى استصدار الحكم النهائي.