الوقت- تتوالى إشارات التراجع من قبل الدول المحاصرة لقطر. فبعد خفض مستوى المطالب الرباعيّة من الشروط الـ13 واقتصارها على ستّة شروط قابلة للتحفيض، قالت المنظمة الدولية للطيران المدني (الإيكاو) الثلثاء ان البحرين والامارات وافقتا على فتح ممرات جوية لطائرات الخطوط القطرية وسط العقوبات المفروضة على الدوحة من الدول المجاورة.
وقال المتحدث باسم المنظمة انطوني فيلبين ان المنظمة عملت مع "مختلف دول الشرق الاوسط لضمان الدخول العادل للطائرات المسجلة في قطر الى الاجواء" منذ اعلان فرض العقوبات على الدوحة في الخامس من حزيران.
وصرح لوكالة فرانس برس انه "تم التأكيد على توفر عدد من الخطوط الجوية الحالية كما تم فتح عدد من الممرات المؤقتة او الطارئة" بما في ذلك عبر أجواء البحرين والامارات.
نجحت قطر في ربح جولة منظمة الطيران المدني "إيكاو" التي بدورها فرضت على البحرين والامارات التراجع، وهذا ما قد يحصل مجدّداً في قرارات منظمة التجارة العالمية ومجلس الأمن، باعتبار أن قطر قد صعّدت موقفها عبر اللجوء إلى هذه المنظمات الدولية الثلاث. فإضافةً غلى الشكوى التي تقدّمت بها قطر ضدّ مصر في مجلس الأمن، عمدت إلى إيداع شكوى رسمية لدى منظمة التجارة العالمية، أمهلت بموجبها الدول المحاصرة ستين يوما، لرفع الحظر على الحركة التجارية. منظمة التجارة الدولية ومقرها جنيف السويسرية قال على موقعها الإلكتروني إن "قطر طلبت من منظمة التجارة العالمية عقد مشاورات لتسوية النزاع مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية بشأن الإجراءات التي تبنتها الدول الثلاث والتي يقال إنها تحد من حركة السلع والخدمات من قطر وكذلك معاملات تجارية مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية"، واتهمت قطر في شكواها الدول الثلاث بتبني إجراءات تمثل "محاولات قسرية لفرض عزلة اقتصادية".
لن يقف التراجع عند الحدود البحرينية الإماراتيّة، بل يعدّ الأمر مقدّمة لتراجع السعوديّة في وقت لاحق، وهذا بالفعل ما ظهر من خلال كلام فيلبين الذي أشار إلى أن اجراءات ادارة حركة الطيران، ربما تخضع لمزيد من التعديلات في حال الضرورة، وبالتالي قد تكون هذه الضرورة مخرجاً ناعماً للسعوديّة في هذا الصدد.
ويحمل هذا التراجعاً أبعاداً تتعدّى الخطوط الجويّة، ليصل إلى خطوط استراتيجية تصل مفاعليها إلى العديد من العواصم الإقليمية والعالميّة، خاصّة أن ستّة ستين يوماً من الحصار، لم تمنح الدول المحاصرة أي نتيجة مرجوّة، كحال العدوان السعودي القائم على اليمن منذ عامين ونصف تقريباً.
لم يكن هذا التراجع ليحصل لولا أمور عدّة تبدأ بالدعم الإيراني والتركي (آخرها الاجتماع الثلاثي الایراني القطري التركي في طهران لبحث تعزيز العلاقات الاقتصاديّة) الذي أجبر واشنطن على لعب دور الوسيط خشية خسارة قطر بشكل كامل، إضافةً إلى استغلالها لهذا الأمر بما يرفع من حدّة الابتزاز الأمريكي للرياض "البقرة الحلوب"، في نظر ترامب، ولا تنتهي بالمرونة القطرية في مواجهة هذا الحظر عبر جملة من الاجراءات التقنية والدبلوماسيّة، ليس آخرها إعلان هيئة السياحة القطرية إعفاء مواطني 80 دولة من رسوم تأشيرة دخول قطر، في خطوة تهدف لتشجيع السياحة، بعد الحصار المفروض على الدوحة.
يدخل الحصار يومه السادس والستين بتحقيق قطر جملة من المكاسب الدبلوماسية، والاتفاقيات العسكرية، وإجبار خصومها على فتح مسارات جوية إضافية، في خطوة تعدّ مقدّمة طبيعية لتحقيق المطالب برفع كامل للحظر الجوي والبري والبحري. مقابل المكاسب القطرية، هناك جملة من الانتكاسات الخليجية بدأت بالتململ الأمريكي تجاه الحصار، ودعوة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون كلا من السعودية والبحرين والإمارات ومصر إلى رفع الحصار البري عن قطر كبادرة حسن نية، ولن تنتهي عند حدود انهيار مجلس التعاون الذي يعدّ احد مراكز القوّة الناعمة للسعودية التي أراد ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان الاستفادة منها، متحدّثاً عن إمكانية لتحول مجموعة دول مجلس التعاون إلى قوة اقتصادية عالمية إذا تعززت عمليات الاندماج. ففي حين وجدت صحيفة فرانكفورت الألمانية أن "الأزمة الخليجية الراهنة تخفي خلفها أخطارا جسيمة لكافة أطرافها.. وإن حصار قطر ومحاولة عزلها سيلحق ضررا فادحا بعموم منطقة الخليج خاصة بالمملكة العربية السعودية، ويهدد مجلس التعاون الخليجي، اعتبرت جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية " أن تداعيات وآثار الأزمة الخليجية الحالية سوف يتجاوز دولة قطر ويمتد إلى الخليج بأكمله، مشيرةً إلى أن "مجلس التعاون الخليجي يواجه خطر التمزق بعدما قامت السعودية وحلفاؤها بخطوة غير مسبوقة بفرض حصار على واحدة من الدول الأعضاء وهي قطر، وهو الحصار الذي يهدد دعائم الكتلة الخليجية".
في الحقيقة، إن التراجع الأخير يعدّ بوابةً إلزامية لقرارات تراجع مقبلة، إمّا بفعل القرارات الدوليّة، أو مستبقةً لهذه القرارات تحت شعار "حسن النوايا"، وفي كلا الحالتين تعدّ قطر الرابح الأبرز من الأزمة الخليجية، مقابل خسارة سعوديّة واضحة يتحمّل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وزرها الأكبر.