الوقت- خرجت بريطانيا لتُثبت مرة جديدة زيف ادعاءاتها تجاه شعوب المنطقة. بل أثبتت حجم الفجوة بين الطبقة الحاكمة في بريطانيا والتي تدعي احترام حقوق الإنسان والشعب البريطاني الرافض لسياسات دولته. وهو ما ظهر من خلال رفض المحكمة العليا البريطانية، طلب ناشطين بريطانيين يعملون على استصدار قرارٍ بمنع تصدير السلاح البريطاني الى السعودية، بسبب انتهاكات العدوان على اليمن. الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً حول أولوية المصالح البريطانية السعودية على حساب حقوق الإنسان. فماذا في قرار المحكمة البريطانية؟ وما هي دلالات ذلك؟
قرار المحكمة العليا البريطانية
رفضت أمس المحكمة العليا في لندن، طلب ناشطين بوقف بريطانيا صفقة بيع أسلحة للسعودية. وقالت المحكمة في حكمها أنه تم رفض طلب المدعي النظر بالقضية. حيث سعت حملة من الناشطين استصدار أمر بإلغاء تراخيص تصدير قنابل ومقاتلات وذخائر بريطانية الصنع اعتبروا أنه يتم استخدامها في أنشطة مضادة لحقوق الإنسان.
الدعم البريطاني للسعودية: علاقة أكثر من تاريخية!
بحسب الحقائق، يُعتبر الدعم البريطاني للسعودية أكثر من تاريخي. حيث تُمثل بريطانيا واحداً من أكبر مُصدري المعدات الدفاعية إلى السعودية لأكثر من 40 عاماً، بما في ذلك ما يعرف بصفقة اليمامة عام 1980. ومنذ بدء العدوان السعودي على اليمن أصدرت بريطانيا تراخيص لبيع طائرات وذخيرة ومعدات بأكثر من ثلاثة مليارات جنيه أسترليني أي ما يقارب 3.9 مليارات دولار أمريكي.
هل تُعتبر بريطانيا جزءاً من الحرب على اليمن؟
أواخر العام 2016، نقلت صحيفة تليغراف البريطانية، تصريحات لوزراء الدفاع والتنمية والتجارة البريطانيين، وصفتها بغير المسبوقة، حيث أكدوا التزامهم مواصلة مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وهو الأمر الذي أثار جدلاً في بريطانيا، خصوصاً أن هذا القرار جاء معارضاً للتوصيات التي رفعتها لجنتان في البرلمان البريطاني، والتي أوصت بوقف الدعم العسكري للرياض، لأسباب تتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها السعودية في اليمن.
التناقض في السياسة البريطانية
عدة دلالات تُشير الى حجم التناقض في السياسة البريطانية، تجاه العلاقة مع السعودية. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: خلال العام المُنصرم، أكد "ماثيو رايكروف"، مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أن لندن تراجع سياسة مبيعات السلاح للسعودية. وأعلن الدبلوماسي البريطاني حينها، أن بلاده طلبت من السعودية التحقيق بشأن مزاعم استهداف مدنيين في اليمن.
ثانياً: خلال العام نفسه، حضَّ البرلمان الأوروبي في شباط 2016 الإتحاد الأوروبي على فرض حظر على تصدير السلاح إلى السعودية، داعياً بريطانيا وفرنسا وحكومات دول الإتحاد الأخرى إلى التوقف عن بيع الأسلحة إلى دولة تُتهم باستهداف المدنيين في اليمن.
ثالثاً: بداية العام الحالي، كشفت وسائل إعلام بريطانية عن اتصالات سعودية بريطانية، هدفت لمنع حصول حظرٍ لمبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية، لا سيما بعد تنديدات أممية بإنتهاكات الرياض الإنسانية في اليمن. لكن بريطانيا فضَّلت الإستمرار في مصالحها مع السعودية، ولم تر حتى أي دليل على وجود خطر جدي من شأنه أن ينتهك القانون الإنساني الدولي في حالة تصدير الأسلحة للسعودية.
التحليل والدلالات
عدة دلالات يمكن الخروج بها، نُشير لها كما يلي:
أولاً: يدل التحرك البريطاني من قِبل الناشطين على حجم الفجوة في رؤية المصالح بين الشعب البريطاني والمؤسسات الحاكمة. وهو ما بات يضع العلاقة بين الطرفين في خانة التناقض، خصوصاً أن بريطانيا باتت ترى في مصالحها أولوية على خيارات شعبها في التعاطي الخارجي.
ثانياً: تعيش النخب البريطانية حالة من الوعي لمخاطر دعم السعودية، خصوصاً بعد أن خرجت تقارير فضحتها صحيفة الغارديان حول تمويل السعودية للتطرف في بريطانيا وتكتُّم تيريزا ماي حول ذلك. فقد أحدث التقرير الذي كشفه "كارولين لوكاس" صدمة لدى البريطانيين الذين وجدوا في توجهات دولتهم سياسات غير مسؤولة.
ثالثاً: أثبتت بريطانيا ومن خلال سياستها أمام شعبها والعالم، أنها تمضي في مصالحها ولو على حساب الشعوب. خصوصاً أن القرار الأخير للمحكمة، لا يتعارض فقط مع الخيارات الشعبية بل يقف في وجه التوجهات الدولية المُنتقدة لإنتهاكات السعودية لحقوق الإنسان.
رابعاً: يدل التوجه الحالي لبريطانيا على حجم التعنُّت الذي تمتلكه رئيسة الوزراء البريطانية، والتي تجد في تعميق علاقتها مع الدول الخليجية أولوية، على حساب مصالح الشعب البريطاني وشعوب المنطقة. كل ذلك لأسباب تجارية وإقتصادية باتت معروفة.
خامساً: أثبتت بريطانيا أن كل ادعاءاتها تجاه حقوق الإنسان وإحترام المواثيق الدولية، هي ادعاءات كاذبة. الأمر الذي أشار له التغاضي البريطاني عن التمنيات الدولية بوقف دعم السعودية في حربها على اليمن، لا سيما بعد أن وصلت الى مرحلة جرائم الحرب.
إذن تسير بريطانيا في دعمها للسعودية ولو على حساب الشعب اليمني وشعوب المنطقة. بل تمضي بريطانيا في خياراتٍ يبدو أنها لا تتفق مع تطلعات الشعب البريطاني الذي بات يعي حجم الخطر الذي تشكله سياسات الرياض على دول العالم، لا سيما تلك التي تتعلق بدعم الإرهاب.