الوقت- يبدو أن منصب قائد "الناتو الإسلامي" بات شاغراً. مصادر باكستانيّة تتحدّث عن مغادرة قائد التحالف العسكري الإسلامي، رئيس الأركان السابق للجيش الباكستاني، الجنرال رحيل شريف على متن طائرة خاصّة إلى إسلام آباد، وأنه يتواجد حالياً في مدينة لاهور الباكستانية التي تسلّم قيادتها العسكرية سابقاً.
شريف الذي تمّ تعيينه مطلع شهر نيسان العام الجاري في قيادة التحالف العسكري الإسلامي (أعلنت عنه الرياض في العام 2015 ويضم 39 بلدًا)، ظهر الخبر حول "تفكير" الجنرال في الاستقالة من التحالف الإسلامي في السادس والعشرين أو السابع والعشرين من شهر مايو/ آيار الماضي.
وفي الثلاثين تحدّثت صحيفتي “ديلي باكستان” و”نيو تي في”، عن استقالة الرجل، ومِن ثَم تُدُووِل الخبر بعد ذلك، إذ أعلنت العديد من الوسائل الإخبارية الباكستانية استقالة الجنرال القادمة، نقلًا عن ثلاثة مصادر إخبارية باكستانية حول الجنرال رحيل شريف و"الخطوط الحمراء" التي وضعتها باكستان، وهو خبر نشرته صحيفة “إكسبريس تريبيون” في الصفحات الأولى، يُفيد بأن باكستان تضع "خطوطًا حمراء بخصوص الانضمام إلى التحالف العسكري الإسلامي.
التسريبات ربطت استقالة شريف بالقمّة الإسلامية الأمريكية التي عقدها ترامب مع 55 دولة مُسلمة وتمّ خلالها تجاهل باكستان ورئيس وزرائِها الأمر الذي أنتج أزمة "صامته" بين البلدين، لتنهال العديد من التقارير بعدها حول تفكير قائد الجيش الباكستاني الأسبق المُحتفَى به بالاستقالة بسبب "تدخل أمريكي".
ورغم أنّه حاول في سيرته المهنية خلال خدمته في الجيش الباكستاني الابتعاد عن الطموحات السياسيّة، إلا أن قربه من السعودية أنتج نظرة شائعة إلى إسلام أباد باعتبارها دمية في يد الرياض، أدّى إلى تدمير علاقة باكستان مع العراق ومصر والجزائر وغيرها من الدول التي يهيمن عليها الجيش في العالم العربي.
ما يعزّز فرضية الطموح السياسي عن الرجل هو تقبّله لقيادة التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنه ولي العهد السعودي (ولي ولي العهد حينها) الأمير محمد بن سلمان. السعودية وجدت في الجنرال شريف ضالّتها لقيادة التحالف العسكري الإسلامي بغية ملء هذا الفارغ الذي لا يستطيع ملئه إلا جنرال قاد جيوش كبرى، كشريف، وقد تسبب الطموح السياسي لهذا الرجل في إيجاد نقطة التقاء تمثّلت بقيادته الشكّلية لهذا التحالف. أقصد بكلمة الشكلية أمرين، الأول أن نفس القرار العسكري لهذا التحالف ليس بيد الجنرال شريف، بل هو حاكم صوري لأن الحاكم الفعلي هو الأمير محمد بن سلمان. ثانياً وحتى لو كان شريف هو الحاكم الفعلي لهذا التحالف، رغم أن الواقع عكس ذلك تماماً، فإن هذا التحالف لم يقدم على أي خطوة عسكريّة كانت أم غيرها، بل اقتصت مناوراته على الشاشات الإعلامية، وأبرزها المناور الاولى التي أجراها محمد بن سلمان عندما اعلن عن هذا التحالف، ليتبيّن فيما بعد أن العديد من الدول الأعضاء لا علم لها بهذا التحالف، ومن ضمنهم باكستان.
بعيداً عن الطموح السياسي للرجل، من عدمه، إن قضيّة استقالة أو إقالة الرجل تستوجب الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: ربّما وجد الجنرال شريف، صاحب السمعة العسكرية القوّية في بلاده، أنه حاكم صوري، سواءً بسبب التدخّل العسكري السعودي من مكتب وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، أو بسبب التدخّل الأمريكي كما تحدّثت الصحف الباكستانيّة. وبالتالي، يصعب على قائد جيش قوي وبارز كالجيش الباكستاني أن يبقى مكبّل اليدين في قيادة هذا التحالف، لأن هذه الخطوة ستؤثر على تاريخه العسكري، كما أنّها ستقضي على مستقبله السياسي، إن وجد.
ثانياً: يعي الجنرال شريف، صاحب اليد القويّة في الدوائر الباكستانية الضيّقة، أنّه لا يمكنه الخروج عن القرار الباكستاني العام، وخاصّة إذا كان الأمر يتعلّق بالأمن القومي الباكستاني. فقرار تعيين الجنرال جاء بعد إبلاغ وموافقة الحكومة الباكستانية، وفق وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف. اليوم، هناك توجّه باكستاني لتعديل السياسة الخارجيّة، العسكرية والسياسية، لإسلام آباد في المنطقة، وتحديداً في الخليج الفارسي، وبالتالي لا يمكن لشريف الخروج عنها.
ثالثاً: خلال الأشهر الستة الماضية، أصدر الجيش الباكستاني تصريحات علنية تؤيد علاقاته الاستراتيجية مع كلا من إيران والسعودية. فعلى سبيل المثال، وبخلاف الجنرال شريف عمل قائد الجيش الباكستاني الحالي، الجنرال قمر جاويد باجوا، على تدشين دبلوماسية دفاعية جديدة في منطقة الخليج الفارسي. وعلى النقيض من زعيمَيْ الجيش السابقين في باكستان، كانت عين "باجوا" مركزة بقوة على تحقيق التوازن في العلاقات الباكستانية مع كلا من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران. الباحث كمال علام، زميل زائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة RUSI) ومتخصص في التاريخ العسكري المعاصر في العالم العربي وباكستان، تبنّى هذا الرأي عبر موقع ميدل إيست آي.
لا شكّ أن لخروج هذا الرجل تبعات أساسيّة على العلاقات الباكستانيّة السعوديّة، لاسيّما في ظل الأزمة الخليجية القائمة بين السعوديّة وقطر.