الوقت - خرج القرار الدولي في اعتبار الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً، ليكون كصفعة جديدة ضد الكيان الإسرائيلي، وإنجازا آخر للقضية الفلسطينية. لكن أهمية القرار تتجاوز اعتباره الديني والثقافي، حيث عكس حالة الترهل الخطير الذي بات يعيشه مشروع دولة "اسرائيل" المزعومة. خصوصاً أن القرار ضرب بأبعاده الإستراتيجية الفكرة القومية التي تسعى تل أبيب لترسيخها واستخدامها في الحشد للإستيطان واللجوء في الأراضي المحتلة. فماذا في القرار؟ وكيف كانت ردة الفعل عليه؟ وما هي أهم دلالاته؟
القرار الدولي حول اعتبار الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً
أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" الجمعة، اعتبار الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً، بعد أن حاول الكيان الإسرائيلي تعطيل هذا القرار ونسب الحرم الإبراهيمي له. وصدر القرار بعد تصويت سري طلبه الكيان الإسرائيلي الذي حاول عرقلة القرار عبر تجنيد العديد من الدبلوماسيين، على رأسهم السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة "نيكي هايلي". لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد أن أيدت 12 دولة القرار وعارضته ثلاثة، فيما امتنعت ست دول عن التصويت. وبعد القرار أصبحت البلدة القديمة في الخليل رابع ممتلك ثقافي فلسطيني على لائحة التراث العالمي بعد القدس وبيت لحم وبتير.
الرد الإسرائيلي
نقلت أمس صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الكيان الإسرائيلي بذل جهداً كبيراً بالتنسيق مع سفيرة الولايات المتحدة لجعل التصويت سرياً، في محاولةٍ للتأثير على القرار لكن ذلك فشل. وهو ما أثبته تصريح المديرة العامة لليونسكو، والتي انتقدت القرار الذي تم التصويت عليه من قبل غالبية دول الأعضاء الذين عيّنوها. من جهته اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامن نتانياهو، قرار منظمة اليونسكو، بأنه قرار آخر سخيف.
أهمية مدينة الخليل
تُعد مدينة الخليل واحدة من أقدم المدن العريقة التي مازالت مأهولة في العالم، ويمتد تاريخها إلى أكثر من 6000 عام. وهي مدينة مقدسة للديانات السماوية، وأصبحت رابع أقدس مدينة إسلامية بعد مكة والمدينة المنورة والقدس حيث يُعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف من أهم المعالم الحضارية المميزة للمدينة والذي منحها مكانتها المميزة. وتقف المدينة التاريخية بهندستها المعمارية، المملوكية والعثمانية، والتي تم الحفاظ عليها وصيانتها، شاهداً على حيوية المدينة وتعدديتها الثقافية على مر العصور.
ماذا يعني القرار؟
عدة دلالات يمكن الخروج بها تتعلق بالقرار وهي على الشكل التالي:
أولاً: بعد صدور القرار، باتت مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي، ومع دخولها القائمة، أصبحت المدينة والحرم من المواقع المطلوبة حمايتها دولياً وهو ما شكَّل أحد أهم الإنجازات التي صدمت الكيان الإسرائيلي لما لها من مفاعيل على كافة الأصعدة.
ثانياً: يُعتبر قرار اليونيسكو إدانة للكيان الإسرائيلي على أفعاله ضد الفلسطينيين والمقدسات الفلسطينية. وأثبت القرار أن تل أبيب لم تتعاون مع خبراء اليونيسكو الذي وضعوا الدراسة وتسلحوا بهذه النتيجة التي باتت قراراً دولياً اليوم.
ثالثاً: أفشل القرار كل محاولات تل أبيب والتي تجري منذ سنوات، لترسيخ الرواية الإسرائيلية المُعتمدة على الترويج للقدس والهيكل كحقيقة دينية تحشد الدعم للكيان الإسرائيلي من قِبل اليهود. وهو الأساس الأيديولوجي الذي يخدم الفكرة القومية لمشروع الدولة المزعومة "إسرائيل" ويُشرعن لمسؤولي الكيان تهويد القدس وتغيير معالمها.
رابعاً: أعاد القرار اعتبار القدس مدينة ذات أهمية خاصة للديانات الثلاثة، لكن القيمة الأساسية الأبرز في القرار ارتبطت بالجزئية الخاصة بالمسجد الأقصى ومحيطه (لا سيما حائط البراق وباب المغاربة) عبر اعتبارهم إرثا خالصاً للمسلمين، وبالتالي تم التبخيس بكل ادعاءات الكيان الإسرائيلي تجاه المسجد الأقصى.
خامساً: لن يكون القرار بعيداً عن أثره السياسي. حيث أن أهمية ما حصل بالنسبة للقضية الفلسطينية يتجاوز الحجم الديني والثقافي للموضوع ليصل الى آثاره السياسية إقليمياً ودولياً، في ظل واقع من الأزمة تعيشه تل أبيب بما يتعلق بمشروعيتها، ومحاولتها إيجاد حلفاء لها يدعمون مشروعها.
سادساً: عكس رد الفعل الإسرائيلي، إعترافاً بالخسارة الإستراتيجية أمام الجانب الفلسطيني، ومحاولة للدفاع عن النفس إزاء شعور الافتقار إلى الشرعية والذي بدأ يتعاظم لدى الإسرائيليين اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل خروج قوانيين تُدين الممارسات الإسرائيلية من الإستيطان الى سلب الأراضي وانتهاك المقدسات الفلسطينية.
سابعاً: أكد القرار وبحسب ما صدر، اعتبار الوجود الإسرائيلي في فلسطين بأنه احتلال، كما أكد عدم اعتراف غالبية الدول بسيادة الكيان الإسرائيلي وتحديداً في القدس.
إذن لم تستطع تل أبيب تحقيق أي نجاحٍ دبلوماسي، على الرغم من أنها سعت لذلك عبر فرضها التصويت السري. وفشلت تل أبيب في تقليص التجاوب الدولي مع مطالب فلسطين. كما فشلت في تفعيل هروبها الدائم من كل المطالب والقضايا العملية الواردة في القرار. لنقول أن القرار جاء لينصر القضية الفلسطينية، وسبب مشكلة جديدة أمام تل أبيب، الساعية لشرعنة كافة سياساتها، ولو على حساب شعوب ومقدسات المنطقة.