الوقت- هو مشروع اقتصادي سياسي يهدف صينيا وكما عبر الكثير من المتابعين لإعادة إحياء طريق الحرير القديم عبر بوابة آسيا الوسطى والباكستان تحديدا. مشروع سمي بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني والذي تصل قيمة الاستثمارات الصينية فيه إلى 46 مليار دولار أمريكي.
هذا الممر يشمل استثمارات ضخمة في البنى التحتية وخطوط الطاقة والكهرباء والسكك الحديدية والطرقات وخطوط النقل البحرية، ويأتي ضمن طرح صيني أكبر تحت مسمى "حزام واحد – طريق واحد" كان موضع بحث ملتقى بكين الدولي الذي جمع 28 وفدا من دول 4 قارات إضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية مختلفة حول العالم في أواسط أيار الماضي.
ويهدف هذا الطرح إلى إيجاد خطوط اتصال برية وبحرية، خط بري يهدف لربط الصين بآسيا الوسطى وأوروبا، وخط يربط الصين بآسيا الوسطى وصولا إلى البحر المتوسط، إضافة إلى خط يصل الصين مع جنوب شرق آسيا وصولا للمحيط الهندي، وخطين بحريين يربطان الصين بأوروبا عبر قناة السويس وخط آخر باتجاه المحيط الهادئ.
آسيا الوسطى وصراع القوى الكبرى
أمام هذا المشروع تحديات كبيرة قد يكون أهمها التحدي الأمني، خاصة أن منطقة آسيا الوسطى تعتبر ساحة صراع حامية بين القوى الكبرى في العالم، والسبب الموقع الجغرافي المميز والغنى بالموارد الطبيعية المعدنية والنفطية. وهذا الأمر جعلها موضع توجه دولية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
الأهمية القصوى لهذه المنطقة جعلتها محل تنافس بين اللاعبين الدوليين؛ بالنسبة للصين فهي شريان مواصلاتها ومعبر لا يمكن الاستغناء عنه، وروسيا تحاول أن تبقيها تدور في فلكها كما كانت في الحقب الماضية، وأمريكا تسعى لبسط نفوذها وكبح جماح التنين الاقتصادي الصيني.
المشروع وفي حال تحقيقه سيؤدي بالمشروع الأمريكي في المنطقة إلى التضعضع، على حساب النفوذ الصيني الاقتصادي والسياسي.
هذا الطرح يعتبر فرصة استراتيجية لدول آسيا الوسطى ومنها تركمنستان، ازبكستان، قرغيزستان وطاجكستان من أجل توسيع دائرة تجارتهم الآسيوية والانفتاح على أسواق العالم أيضا، أما باكستان فهي تريد أن تتصل بدول آسيا الوسطى عبر أفغانستان من أجل تأمين حاجاتها من الطاقة وتصدير بضائعها باتجاه الغرب.
هذا الممر يساعد على تشكيل نظام اقتصادي وسياسي جديد في المنطقة تكون أمريكا الخاسرة الأكبر على حساب الحلف الروسي الصيني مع دول المنطقة التي تسكنها غالبية مسلمة.
كما أن الصين ترى أن التنمية الاقتصادية في تلك المنطقة ستؤدي إلى إضعاف الحركات الراديكالية المستقرة هناك وخاصة في أفغانستان والباكستان. وضمن قائمة الدول التي يهمها هذا المشروع هي أفغانستان التي تعيش حالة من عدم الاستقرار والأمن وهو ما يتهدد تنفيذ هذا المشروع كون الممر يمر في أفغانستان.
لذلك فإن دول آسيا الوسطى وباكستان بحاجة إلى حل أزمة أفغانستان، والمساعدة على خروج هذا البلد من دوامة الصراع المستمرة منذ أكثر من عقد. وإلا فلن تتمكن هذه الدول من تأمين الممر الذي يقطع أفغانستان وبالتالي لن تستفيد من مزية فتح أسواق جديدة لها مع العالم.
إذا وعلى الرغم من الآمال المعلقة على هذا الممر من قبل دول آسيا الوسطى وخصوصا الباكستان، إلا أن موضوع تأمين هذا الممر يبقى القلق الأكبر بالنسبة للصين ودول آسيا الوسطى. وقد يكون سوء الأوضاع الأمنية في أفغانستان هو أهم عامل يقف حائلا أمام الدول المستفيدة.
أفغانستان هي الطريق الأقرب الذي يربط باكستان بدول آسيا الوسطى خاصة أن هذه الدول بحاجة للوصول إلى ميناء جوادر الباكستاني الذي يؤمن ارتباطها البحري مع العالم.
هذا الأمر يعزز فكرة أن الباكستان ودول آسيا الوسطى عليها العمل بشكل حثيث أكثر لحل مشكلة أفغانستان التي تمنعهم من تصدير بضائعهم بشكل سلس عبر ميناء جوادر الباكستاني.
بعد هذا العرض يصبح من المؤكد أن أمريكا التي تسعى لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني في أكثر من نقطة من العالم ستسعى جاهدة لإجهاض أي حل للأزمة الأفغانية، بل وستعمل على تأجيج الصراع الذي يضر بالمصالح الاقتصادية الصينية ودول آسيا الوسطى. وبالتالي ستقف حجر عثرة أمام تنفيذ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني على اعتبار أنه تهديد استراتيجي لوجودها ونفوذها في المنطقة.
هنا يبقى السؤال هل ستتمكن إسلام أباد من تخطي هذه العقبات والظفر بتنفيذ هذا الممر الذي يمكن أن يحولها إلى نمر آسيوي جديد أم أن الدوافع التخريبية الأمريكية ستكون أقوى من إرادة شعوب المنطقة التي تتوق للتنمية والانفتاح على العالم.