الوقت- بعد الانتصارات الواضحة التي حققتها قوات الحشد الشعبي في العراق وتمكنها من تحرير المناطق المحاذية للحدود السورية في غرب محافظة الموصل شمال البلاد وإحكام سيطرتها على الممر الذي يستخدمه إرهابيو "داعش" بين قضاء تلعفر والأراضي السورية، بدأت قيادة إقليم كردستان العراق وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني بإثارة جملة من الاعتراضات على هذه التحركات يمكن إجمالها على النحو التالي:
- إن قوات الحشد الشعبي تخطت الاتفاقات المبرمة بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد قبل عمليات تحرير الموصل ومن بينها عدم دخول الحشد إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإقليم.
- دخول قوات الحشد إلى قضاء "سنجار" غرب الموصل من شأنه أن يوتر الأوضاع بين الحشد والإقليم وقد يؤدي إلى إشعال حرب بين الجانبين.
هذه المزاعم تبدو متناقضة مع الواقع العراقي لسببين أساسيين:
الأول: تتمتع قوات الحشد الشعبي بمشروعية دينية واضحة جداً، حيث تم تشكيل هذه القوات بفتوى من المرجعية الدينية بعد احتلال "داعش" لمناطق واسعة من العراق في حزيران/يونيو 2014 من أجل تحرير هذه المناطق والدفاع عن وحدة وسيادة البلد أمام أي مشروع أجنبي يرمي إلى تقسيمه أو اقتطاع جزء من أراضيه.
الثاني: صوّت البرلمان العراقي في وقت سابق لصالح الحشد الشعبي باعتباره تشكيل رسمي وجزء من القوات المسلحة العراقية وبإمكانه التوجه إلى أي منطقة في البلد من أجل تحريرها من العصابات الإرهابية وحفظ الأمن في باقي المناطق والدفاع عنها ضد أي تهديد محتمل.
من جانب آخر يحظى الحشد الشعبي بتأييد جماهيري واسع النطاق وبدعم ممثلي معظم الكيانات السياسية العراقية باعتباره قوة كبيرة للدفاع عن البلد ضد أي خطر محتمل، وكذلك للدور المهم الذي لعبه في تحرير الأراضي المحتلة من قبل "داعش" طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. وبات يُنظر إلى مقاتلي الحشد لدى معظم شرائح الشعب العراقي على أنهم أبطال وطنيون وينبغي أن تناط بهم مهمة حفظ الأمن والاستقرار في عموم البلاد في المستقبل.
لهذه الأسباب وغيرها يعتقد المراقبون بأن مزاعم إقليم كردستان بشأن الحشد الشعبي لا أساس لها ولا تستند على أي توجيه قانوني ولن تؤثر في العمليات الميدانية التي يقوم بها الحشد لدحر الإرهاب في مختلف مناطق البلاد ومن بينها المناطق المحاذية للحدود السورية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قضاء سنجار الذي تسكنه الطائفة الإيزدية كان يدار من قبل الحكومة المركزية في بغداد قبل احتلاله من قبل "داعش" في 2014، ولهذا لا يحق لإقليم كردستان أن يعترض على دخول الحشد الشعبي لهذا القضاء، خصوصاً وإن زعماء الطائفة الإيزدية كانوا قد طالبوا أكثر من مرة بمشاركة الحشد في تحرير قضائهم بعد أن ألقوا باللوم على القيادة الكردية لتقصيرها في الدفاع عنهم ضد تنظيم "داعش" الذي قتل الكثير منهم وأسر عدد كبير من نسائهم وأطفالهم. كما إن نسبة كبيرة من سكّان القضاء تعارض البقاء تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني.
وكان أمير الإيزيدية في العراق والعالم "تحسين سعيد بك" قد أعرب عن شكره لقوات الحشد الشعبي على تحرير مناطقهم وتسليمها إلى الأهالي، مؤكداً أن الحشد سطر أروع الملاحم في كل بقعة من أرض العراق، ودعا الشباب الإيزيدي إلى الانضمام لتشكيلات الحشد.
وفي وقت سابق أكد القيادي بالحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس" إن العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الحشد في المناطق الواقعة غرب نينوى هدفها تنظيف الحدود العراقية مع سوريا من الإرهابيين. كما أكد المهندس أن القرى التي حررها الحشد سُلمت أو سيتم تسليمها للإيزيديين بعد تنظيفها بشكل كامل من مفخخات "داعش".
كما أوضح القيادي في الحشد "جواد الطليباوي" بأن قوات الحشد ستدخل سنجار ولا تعير أهمية لتصريحات بعض القادة الأكراد الرافضين لذلك، مشدداً على أن قرار دخول الحشد لسنجار هو بيد القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي ولا نحتاج موافقة الأكراد في ذلك".
من جانبه قال القيادي البارز في الحشد "هادي العامري" إن الحشد تمكن من الوصول إلى الحدود السورية غرب نينوى، وإنه سينسق مع كل الفصائل المسلحة الموجودة على حدود العراق وسوريا باستثناء الصنيعة الأميركية، في إشارة إلى تنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن الضربة الأمريكية الأخيرة التي استهدفت فصائل تقاتل مع الجيش السوري كشفت موقف واشنطن الحقيقي الداعم للإرهاب.
في ذات السياق أكد المتحدث باسم "قوات بدر" كريم النوري أن مهمة الحشد الشعبي هي قتال "داعش" وفي هذه الحالة لا يهم قوات الحشد أية تصريحات أو تهديدات، لكنها تسعى إلى أن لا تخوض معارك جانبية تشغلها عن المعركة الأساسية ضد "داعش".
هذه المعطيات وغيرها تبين بوضوح إن الحشد الشعبي لا يسعى للسيطرة على أي منطقة في العراق بقدر ما يسعى لطرد الإرهابيين، ولهذا لا ينبغي لأي طرف عراقي آخر أن يقف بوجه الحشد تحت أي ذريعة لأن ذلك لن يخدم أمن واستقرار البلاد في وقت بات فيه العراقيون بأمسّ الحاجة إلى التكاتف والتلاحم للقضاء على الإرهاب وتمهيد الأرضية لإعادة بناء بلدهم وتعزيز قدراته وإمكاناته في كافة المجالات.