لا يختلف اثنان حول حجم الخداع الذي يعيشه الأكراد علي يد الغرب. فالوفود الغربية التي تحتشد اليوم لتأكيد دعمها العسكري للطرف الكردي، هي ذاتها التي باعته عبر التاريخ، من خلال الوعود المخادعة بالإنفصال والحكم الذاتي. واليوم تعود الدول نفسها لتمارس سياسة الخداع، في ظل تساؤلٍ عن غياب الدعم السياسي المرافق لهذا الحشد العسكري. فما هي الوعود العسكرية الجديدة التي يُقدمها الغرب لإقليم كردستان العراق؟ وكيف خُدع الأكراد عبر التاريخ من قِبَل هذه الدول نفسها؟ وما هي دلالات ذلك في سياسة اليوم والتحديات الموجودة؟
الغرب يحشد الدعم العسكري لإقليم كردستان!
استقبل أمس مسعود بارزاني، سفير فرنسا لدى العراق "مارك باريتي" برفقة القنصل العام الفرنسي في أربيل دومينيك ماس. وخلال اللقاء قدم السفير مارك باريتي ملخصاً للرؤية السياسية الفرنسية في مرحلة الرئيس الجديد، مؤكداً على استمرار الدعم العسكري للأكراد.
خلال الأسبوع المنصرم، عبر "جون ماكين" رئيس لجنة التسليح في الكونغرس الأمريكي، عن ارتياحه للدعم العسكري الأمريكي لقوات البيشمركة التابعة لإقليم كُردستان العراق، معتبراً أن ذلك هو أحد الخطوات التي يجب على أمريكا القيام بها حالياً. جاء ذلك خلال اللقاء الذي جمع ماكين مع "مسرور البارزاني" مستشار مجلس أمن إقليم كردستان.
خلال بداية الشهر الحالي، استقبل نيشیرقان بارزاني رئيس وزراء إقليم كوردستان الجنرال توم بيكيت المبعوث الخاص لرئيسة وزراء بريطانيا لشؤون الأمن في العراق والوفد المرافق له، والذي ضم فرانك بيكر سفير بريطانيا لدى العراق وعدد من المسؤولين العسكريين. أكد الوفد على استمرار المساعدات العسكرية البريطانية لإقليم كردستان.
الشعب الكردي مخدوعٌ من قبَل الغرب عبر التاريخ
عدة أمثلة تاريخية نُضيئ من خلالها على حجم الإستغلال والخداع التي كانت تقوم به الدول الغربية تجاه الأكراد في المنطقة، الأمر الذي يُبيِّن أن ما يجري اليوم معهم ليس إلا استمراراً لمسار الخداع هذا. وهنا نُشير لبعض المحطات:
أولاً: نهاية القرن التاسع عشر، قامت بريطانيا بمحاربة انفصال الأكراد في المنطقة، بل ساهمت في تأمين الحماية الدولية لكل من ارتكب مجازر بحقهم حينها والتاريخ شاهد على ذلك.
ثانياً: خلال توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ والتي ساهمت كل من بريطانيا وفرنسا بالإضافة الى روسيا في نسجها، عملت هذه الدول على تقسيم المنطقة بشكل يسمح بتشتيت الأكراد.
ثالثاً: عام 1920، ومن خلال معاهدة سيفر، خدع الفرنسيون والبريطانيون الأكراد ووعدوهم بالإستقلال وتأسيس دولتهم شمال العراق. بعد فترة انقلبوا عليهم فقامت بريطانيا بالقضاء على الحلم الكردي ليتراجعوا رسمياً مع فرنسا عن وعودهم تجاه الأكراد في معاهدة لوزان عام 1923.
رابعاً: في التاريخ السياسي الحديث عام 2003، تحالفت أمريكا معهم ووعدتهم بمنحهم الحكم الذاتي، وذلك إبان غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين. سرعان ما انقلبت عليهم وتراجعت عن وعودها.
خامساً: اليوم تتكرر الوعود الأمريكية من خلال تأمين الدعم العسكري لا سيما الجوي في كل من سوريا والعراق، من عين العرب مروراً بتل أبيض وصولاً إلى مدينة الطبقة الإستراتيجية ومناطق أخرى.
التحليل والدلالات في ظل السياسة الإقليمية
عدة مسائل يجب الوقوف عندها ربطاً بالسياسة الإقليمية والتحديات الحالية لنُشير للتالي:
أولاً: على الرغم من وضوح النية العسكرية لأمريكا فهي تستخدم سياسة براغماتية مزدوجة المعايير مع الأكراد لا سيما عندما يأتي الأمر للدعم السياسي. فأمريكا ليست صادقة في إيحاءاتها تجاه مسألة القضية الكردية كقضية سياسية، وما زالت ترفض حتى اليوم ترسيخ التعاون السياسي مع الأكراد، حاصرة العلاقة بالدعم العسكري للإستفادة من الورقة الكردية في مشاريعها.
ثانياً: إن الحقيقة الموضوعية تتطلَّب الإعتراف بأن ما تقوم به أمريكا تجاه الأكراد هو من الجرائم بحق الأقليات، خصوصاً في ظل التجارب التاريخية المريرة بينهم وبين الغرب. واليوم يُكمل ذلك، الموقف الأمريكي الغامض تجاههم. وهو السبب الأساسي الذي يجب أن يدفع بهم للتشكيك في مصداقية واشنطن.
ثالثاً: لا شك أن الحلم الكردي الذي ما يزال يسعى له الأكراد، قد يدفعهم للسير خلف المشاريع الغربية، والتي تؤمِّن لهم بعضاً من حاجاتهم العسكرية المطلوبة لحماية وجودهم بحسب رأيهم. لكن ذلك لا يعني إغفال الحقيقة الواضحة، بأن الغرب يخدعهم ويحاول جعلهم ورقة مساومة له في ظل الخسارات التى لحقت به في المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا. عدا عن محاولة إغراقهم في صراعات المنطقة العرقية، والتي سيكونون أول الخاسرين منها!
إذن، تمضي واشنطن والغرب في ممارسة تكتيكات النفاق السياسي. وهو ما يوضحه بشكل كامل، تجربة الحلف الكردي الأمريكي ضد تركيا، والذي لم يكن بالمستوى الذي أراده الأكراد. لنقول أن الأكراد، كانوا وما يزالون ورقة الغرب المخدوعة عبر التاريخ!