والملفت للنظر انه كلما حدث تقدم الانسان علي الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي، ازداد قلبه بعدا عن الانسانية.
وكلما ازداد الفقر المدقع في المجتمعات ازدادت نسبة هذه الجريمة ضد الانسانية، وهنا لابد ان تكون هناك جهود دولية مجتمعة لمواجهة هذه الظاهرة التي بدت انها غريبة في باديء الامر، لكن المشكلة ان الظواهر الاجرامية باتت بالغة التعقيد ولا يمكنه ان تسيطر عليها قواعد عامة ولذلك يجب ان تتكاتف كل الجهود للقضاء عليها.
قانونيا يعد الاتجار بالافراد ظاهرة قديمة جديدة حظرتها المعايير الدولية فقد منع وجرم الرق في اتفاقية جنيف عام 1926، والسخرة والعمل الاجباري في اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقمي 29 لسنة 1930 و105 لسنة 1975، كما جرم الاتجار بالاشخاص واستغلال دعارة الغير بالاتفاقية الصادرة عام 1949 وتفصل المادتان السادسة والسابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معايير كفالة الحق في العمل ومن اهمها ان يكون بالاختيار وبشروط عادلة مرضية.
تشير التقارير الدولية والارقام الرسمية المعلنة من الهيئات الدولية، الي ان هذه الكارثة قد استشرت في السنوات الاخيرة، حيث اعلنت منظمة اليونيسيف العالمية للطفولة التابعة للامم المتحدة في تقرير لها انه تم بيع 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الاخيرة، وان اكثر من مليون طفل وامرأة يتعرضون للبيع والشراء كل عام خلال تجارة الرق المعاصرة والمتسارعة في النمو. واكدت المنظمة ان الدول الصناعية وحدها، تستورد سنويا خمسة ملايين طفل للتبني ومعظمهم يأتي من دول افريقيا وشرق اوروبا وامريكا اللاتينية, كما تعتبر اوروبا المتحضرة بغربها وشرقها سوقا رائجة لهذه التجارة، ففي عام 1995 كان حوالي 38% من الاطفال المستوردين الي المانيا من شرق وجنوب شرق اوروبا وخاصة من رومانيا وبولندا ودول الاتحاد السوفيتي السابق. وقد اكد رئيس اللجنة الرومانية المختصة بمتابعة الظاهرة الجديدة، على انه تم تسجيل نحو2000 حالة تبني عالمية وان هناك حوالي 22 الف طفل تم تبنيهم بطرق البيع، حيث ذكرت المنظمة الانسانية الالمانية في تقريرها السنوي عام 1997، ان حالات التبني القانونية لا تشكل سوي 25% من حالات التبني فقط.
ومن المعروف ان عدد النساء والاطفال المختطفين في الصين بغرض التجارة والاستغلال، ارتفع بنسبة 11.4% عام 1999عما كان عليه في السنة الماضية، حيث اكدت الدراسات ان النساء خطفن ليتم بيعهن كزوجات او للايجار بهن، كما اختطف الاولاد للتسول او لبيع الزهور.
وقد قدرت منظمة العمل الدولية في اخر تقرير لها ارباح استغلال النساء والاطفال جنسيا بنحو 28 مليار دولار، كما تقدر ارباح العمال الاجبارية بنحو 23 مليار دولار سنويا، وتقدر المنظمة ان 98% من ضحايا الاستغلال التجاري الاجباري للجنس هم من النساء والفتيات. واذا ما انتقلنا الي المجتمع العربي فسنجد ان هذه المأساة تنتشر في اغلب الدول العربية حيث كشف التقرير الامريكي الصادر في عام 2006 عن انتشار الاتجار بالبشر في 139 دولة بينها 17 دول عربية.
كما تشير التقارير أن الكيان الاسرائيلي ومن خلال شركاته المنتشرة في أغلب بلدان العالم، له اليد الطولة والدور الأساس في هذه الظاهرة المتفشية، وانه المغذي والمروج لها لما لها من عوائد كبيرة وضخمة على شركاته واقتصاده.
إن الرأسمالية منذ نشأتها وحتى الآن هي معادية للإنسان وكل القيم والمقومات التي تجعل منه إنساناً. فهي تضفي وتفرض عليه طابع السلعية مجردة إياه من الروح والقيم بفضل العلمنة المادية التي تقوم عليها. فمنذ البداية، أغرق الطابع المادي السلعي الرأسمالية التي لم تر في الإنسان إلا المنتج والمستهلك للأشياء المادية (وليس مجرد الغذاء). والرأسمالية هي التي جعلت الإنسان مقوماً بهذا الطابع المادي الصرف. فلا قيمة له إلا بدوره في عملية الإنتاج والإستهلاك والربح والتراكم المادي الناتج عنها. وفوق هذا فالإنسانية في غالبها أو ما كان حتى وقت قريب يسمى بالطبقة العاملة، ليس لها تعريف أو وجود ذو معنى إلا من حيث هي تمثل عمالة رخيصة في ترؤس الآلة الرأسمالية الضخمة، ولا معنى لوجود القيادة أو الزعامة أو السلطة إلا للفئة القليلة التي تمثل أصحاب المال ومن يلحق بهم من دعاة المذهب ومبرريه ومديريه.
في ظل هذا المبدأ العام من الشيئية والسلعية الذي يسري في كل جوانب الحياة في الغرب في البداية ثم الآن في جميع أنحاء العالم تحت مسمى العولمة والنظام العالمي الجديد، يصبح الإتجار بالبشر هو الوضع الطبيعي والمنطقي والنتيجة المحتومة للنظام، وليس مجرد إنحراف يمكن أن يعالج من خلال جلسات الصالونات التي تنظمها بعض طالبات الزعامة.