الوقت- في زمن تتصارع فيه الروايات وتتشابك الحقائق مع الأوهام، يبرز صوت اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك، الملقب بـ"نبي الغضب"، كناقوس يدق لفضح هشاشة الجيش الإسرائيلي في حربه ضد حماس، في مقاله المنشور بصحيفة "معاريف"، يقدم بريك تحليلاً صلباً ينسف الادعاءات الرسمية حول "الإنجازات العسكرية"، ويكشف عن هزيمة مؤلمة تكبدتها "إسرائيل" في قطاع غزة، بعيداً عن الخطابات السياسية المتفائلة، يعرّي بريك نقاط ضعف الجيش، من استنزافه الهيكلي إلى عجزه عن مواجهة استراتيجيات حماس، محذراً من تكلفة باهظة تهدد استقرار "إسرائيل" ذاتها.
في هذا المقال التحليلي، نستعرض رؤى بريك، ونفكك دلالاتها الاستراتيجية والسياسية، ونقيّم تأثيراتها على المشهد الإسرائيلي الداخلي والخارجي.
هزيمة بدلاً من نصر
يبدأ بريك مقاله بانتقاد لاذع لتصريحات السياسي بيني غانتس، الذي زعم أن الجيش حقق إنجازات عسكرية كبيرة في غزة، لكن ما تسمى القيادة السياسية حالت دون تحقيق النصر النهائي، يرفض بريك هذا الادعاء، واصفاً إياه بأنه "لا يعكس الواقع المعقد"، وفقاً له، لم يفشل الجيش في تحقيق أهدافه فحسب، بل تكبد "هزيمة مؤلمة وموجعة" في مواجهة حماس، هذه الصراحة تكشف عن أزمة مصداقية عميقة بين الرواية الرسمية والواقع الميداني، حيث يؤكد بريك أن الجيش لم ينجح في هزيمة حماس أو تحرير الرهائن، وهما الهدفان الأساسيان للحرب.
هذا النقد يحمل دلالات خطيرة، اعتراف لواء متقاعد بمكانة بريك بالفشل العسكري يعكس إحباطاً داخلياً، يتجاوز المؤسسة العسكرية إلى الرأي العام، يُظهر التحليل أن الاستراتيجيات العسكرية المعتمدة، مثل الغارات الجوية والعمليات المتكررة، لم تكن كافية لمواجهة حركة مقاومة تعتمد على حرب العصابات والأنفاق، هذا الفشل يضع الجيش أمام تحدٍ وجودي: كيف يمكن استعادة الثقة في قدراته وسط هذه الانتقادات؟
استنزاف هيكلي.. جيش متهالك
يكشف بريك عن نقطة ضعف جوهرية في "الجيش الإسرائيلي" استنزافه وتقليص حجمه على مدار عقدين، يوضح أن الجيش البري الصغير غير قادر على الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطر عليها، ما يجبره على تكرار العمليات في المناطق نفسها، مع خسائر بشرية متكررة، يشير إلى أن غياب وحدات احتياطية كافية يضطر الجيش للاعتماد على الغارات، لكنه يعود لاحقاً لخوض معارك في الأماكن ذاتها، في دورة استنزاف لا نهائية.
بريك لا يكتفي بالتشخيص، بل يوجه اتهاماً مباشراً لبيني غانتس، مشيراً إلى دوره في تقليص الجيش، هذا الاتهام يعكس صراعاً سياسياً داخلياً، حيث يتنصل القادة من المسؤولية عن الفشل، التحليل هنا يبرز غياب رؤية استراتيجية لإعادة بناء الجيش، ما يجعل استمرار الحرب في ظل هذه الظروف مخاطرة غير محسوبة، هذا الواقع يطرح تساؤلاً، هل يمكن لـ"إسرائيل" مواجهة تهديدات مستقبلية دون إصلاحات جذرية في هيكلية جيشها المحتل؟
تفوق حماس الاستراتيجي... الأنفاق وحرب العصابات
من أقوى النقاط التي يطرحها بريك هي قدرة حماس على الصمود والتكيف، يوضح أن الحركة استعادت قوتها السابقة، مع أكثر من 30 ألف مقاتل يعتمدون على شبكة أنفاق تمكنهم من شن هجمات والعودة إلى مخابئهم بسرعة، هذه الأنفاق ليست مجرد ملاجئ، بل مستودعات للإمدادات والمساعدات الإنسانية، ما يتيح لحماس البقاء لأشهر، يعترف بريك بأن الجيش فشل في تدمير سوى أقل من ربع الأنفاق، وأن تدفق الأسلحة مستمر عبر أنفاق محور فيلادلفيا، على عكس الادعاءات السابقة.
هذا التحليل يكشف عن تفوق حماس في حرب العصابات، باستغلالها للبيئة الجغرافية والموارد المتاحة، تمكنت الحركة من تحويل نقاط ضعفها إلى قوة، عجز الجيش عن مواجهة هذه الاستراتيجية يعكس تحدياً تكتيكياً ولوجستياً، حيث يتطلب تدمير الأنفاق موارد هائلة وخططاً مبتكرة لم تُطوَّر بعد، هذا الواقع يضع "إسرائيل" أمام معضلة كيف يمكن مواجهة عدو يمتلك هذا المستوى من المرونة؟
التكلفة الباهظة... من الخسائر البشرية إلى العزلة الدولية
يحذر بريك من التكلفة المتفاقمة لاستمرار الحرب، على المستوى البشري، يشير إلى مقتل الرهائن في الأنفاق، وخسائر القوات، واستنزاف الموارد العسكرية، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يرى أن "إسرائيل" تواجه عزلة دولية متزايدة، مع تدهور اقتصادي وفوضى اجتماعية تهدد بـ"حرب أهلية"، هذه التحذيرات تعكس أزمة شاملة، حيث تتجاوز تداعيات الحرب الميدان العسكري إلى استقرار الدولة، بريك ينقل أصوات جنود الاحتياط الذين يطالبون بإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن، معتبرين أن استمرار القتال لن يهزم حماس، بل سيزيد الوضع سوءاً، هذا الشعور يعكس فقدان الأمل في تحقيق نصر عسكري، ويبرز الانقسام الداخلي حول أهداف الحرب، التكلفة الباهظة تطرح سؤالاً ملحاً: هل تستطيع "إسرائيل" تحمل استمرار هذا النزيف؟ في ختام مقاله، يدعو بريك إلى "إعادة بناء الجيش الإسرائيلي وتوسيع قواته البرية، محذراً من أن استمرار الحرب في ظل الوضع الحالي لا يخدم مصلحة "إسرائيل"، يرى أن النصر لن يتحقق دون إصلاحات جذرية تعيد للجيش قوته وكفاءته.
انتصارات المقاومة تُذيق الاحتلال مرارة الهزيمة
منذ السابع من أكتوبر 2023، سطّرت حركة المقاومة الإسلامية حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ملحمة بطولية أذهلت العالم وفضحت وهن الجيش الصهيوني، بتخطيط عبقري وتنفيذ دقيق، نجحت المقاومة في تحقيق انتصارات كبيرة، حيث أربكت حسابات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وقادة أجهزته الأمنية، استطاعت حماس، بفضل صمود مقاتليها وشبكة أنفاقها المتطورة، أن تُفشل مخططات الاحتلال للقضاء على المقاومة، وأذاقت الجيش الصهيوني مرارة عدوانه على قطاع غزة المحاصر.
لم تكتفِ المقاومة بالدفاع، بل انتقلت إلى الهجوم، مستهدفة قوات الاحتلال بعمليات نوعية أعادت رسم معادلة الردع، هذه العمليات كشفت هشاشة الجيش الصهيوني، الذي عجز عن السيطرة على الأراضي التي اجتاحها، واضطر لتكرار عملياته مع خسائر فادحة، صمود المقاومة، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات، أحبط أهداف الحرب الصهيونية، وأثبت أن إرادة الشعب الفلسطيني لا تُكسر، هذا الانتصار ليس عسكرياً فقط، بل سياسي ومعنوي، حيث فضحت المقاومة زيف الرواية الصهيونية وأكدت أن غزة قلعة عصية على الانكسار، تُجبر العدو على التراجع أمام عزيمة شعبها.
في الختام تصريحات إسحاق بريك ليس مجرد نقد عسكري، بل وثيقة سياسية واجتماعية تكشف عن أزمة وجودية تواجه "إسرائيل"، من خلال تحليله الصريح، يعرّي بريك نقاط ضعف الجيش، ويفضح الفجوة بين الرواية الرسمية والواقع، ويحذر من تداعيات كارثية إذا استمرت الحرب دون تغيير، فعلى الرغم من الحصار الخانق والتفوق العسكري الصهيوني، أظهرت المقاومة قدرة فائقة على التكيف والصمود، حيث عادت إلى قوتها رغم الخسائر، وواصلت استنزاف قوات الاحتلال.
هذه الانتصارات فضحت وهن الجيش الصهيوني، الذي فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، من هزيمة حماس إلى تحرير الرهائن، المقاومة، بعزيمتها وتضحياتها، حطمت أسطورة "الجيش اللا يُقهر"، وأثبتت أن إرادة شعب فلسطين أقوى من أعتى الجيوش، هذا النصر التاريخي سيبقى منارة للأجيال، مؤكداً أن غزة ستبقى رمزاً للصمود والتحدي.