الوقت- لن تكون زيارة دونالد ترامب للرياض، مهمة على قدر ما ستكون مُثيرة للجدل. فالتناغم الأمريكي السعودي والذي يُعتبر بوابة واشنطن لإعادتها نحو المنطقة، ليس إلا حالة ظرفية، قد لا تنتهي بنتائجها المتوقعة. في ظل الكثير من الأزمات التي تعاني منها المنطقة، إضافة الى الوعي الذي باتت تتصف به الشعوب. كما أن الوضع الأمريكي الداخلي والتحديات التي تواجهها أمريكا، لن تجعل من المهمة الأمريكية مهمة سهلة. فماذا في أهمية وأهداف الزيارة بالمنظور الأمريكي؟ وكيف يمكن تقييم وتحليل ذلك؟
الزيارة بين الأهداف والأهمية
عدة نقاط يمكن الحديث عنها خدمةً للعنوان المتعلق بأهمية الزيارة وأهدافها. وهو ما سنُسلط الضوء عليه من منظور أمريكي، ونقول التالي:
أولاً: يسعى ترامب من خلال الزيارة لاستكشاف طرق الحل للملفات الشائكة في المنطقة والتي تقع في صلب اهتمامات الإدارة الأمريكية الحالية. وهو ما يتمحور حول إعادة تعويم الحلفاء القادرين على العمل ضمن إطار السياسة التي ترسمها واشنطن. فيما يمكن القول أن الهدف الأساسي للتحرك الأمريكي هو العمل على تحديد السياسات المشتركة مع الأطراف الإقليمية لضرب التعاظم الإيراني.
ثانياً: تبدو الزيارة في شكلها ومضمونها وتوقيتها حدثاً مثيراً للجدل. حيث يمكن القول أن السعودية ظهرت بمظهر العارف لنقاط ضعف الرئيس الأمريكي. حيث يمكن توصيف مشهد الإحتشاد الذي ينتظره في الرياض، بالمؤتمر الذي شبَّهته الصحافة الغربية بكونه أقرب الى المهرجان الإنتخابي من الحدث السياسي. وهو ما جعل العديد من الخبراء ينظرون للحدث بأنه مثير للجدل!
ثالثا: لا شك أن الإنطلاق من السعودية ثم الى الكيان الإسرائيلي يحمل رسالة واضحة للزيارة، تصف حالة التحول الحاصل في المنطقة. وهو ما تهدف أمريكا لترسيخه وجعله واقعاً يحكم سياسات المنطقة. الأمر الذي لا يجب أن نغفل عن التذكير به، كونه الأهم بالنسبة لشعوب المنطقة.
رابعاً: تهدف الزيارة على الصعيد الإجرائي، للوصول الى حالة موحَّدة قادرة على إعادة التحالفات لما هو في صالح أمريكا على الصعيدين الإستراتيجي والحالي. ولذلك تسعى واشنطن لصياغة تسويات تهدف لإحتواء إيران دون إغفال أهمية التوصل لمشاريع إقتصادية بالإضافة الى دعم ما سُمي مؤخراً مشروع مارشال الجديد للشرق الأوسط والذي وضعه شمعون بيريز للمنطقة.
خامساً: من ناحية أخرى يسعى ترامب لتوسيع أسواق الصادرات الأميركية من السلاح بهدف إنعاش الإقتصاد الأميركي بالإضافة الى تفعيل عمل الشركات الأمنية الأمريكية والتي تُقدِّم خدمات أمنية في الدول وتعمل تحت عناوين تجارية وخدماتية. لكن هذه المرة يسعى ترامب لإيقاف الهبات التي تقدمها واشنطن للحلفاء وتوقيع اتفاقيات تضمن حصول الطرف الأمريكي على الكلفة الحقيقية للخدمات العسكرية والسلاح.
سادساً: بالإضافة الى ما تقدم، تسعى واشنطن لإرضاء الكيان الإسرائيلي، لا سيما بعد أن سعت تل أبيب مؤخراً للحصول على ضمانات من الإدارة الأمريكية الجديدة. وهو ما يواجه صعوبة كبيرة نتيجة تشابك المصالح في المنطقة، وتطرف الخيارات الإسرائيلية في الصراع مع الفلسطينيين مما قد يُقوِّض مساعي واشنطن في إحياء عملية السلام بناءاً للطرح الأمريكي. فيما تمضي قُدماً آفاق تعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية.
زيارة ترامب بين النجاح والفشل: تحليل ودلالات
مع الأخذ بعين الإعتبار الأهمية والأهداف، يمكن تحليل ذلك من خلال الإلتفات للتالي:
أولاً: لا شك أن الزيارة تُشكل حدثاً يجب الوقوف عنده، كونها تتعلق بشكل أو بآخر بمستقبل وتوجهات الأنظمة العربية. لكن ما تقوم به السعودية من حشد لإنجاح الزيارة على أرضها، ينطلق من المقولة التي باتت واضحة بأن السعودية لا يمكن أن تستمر دون الدعم الأمريكي. وهو ما يضع أدوار السعودية الماضية في خانة التساؤل والمستقبلية في خانة الشك. لكن الأمر الأهم يتعلق بما ستؤول الیه الزيارة من نتائج وسياسات على حساب شعوب المنطقة وتتناقض مع مصالحها!
ثانياً: يمكن الموافقة على ما يتداوله الإعلام الغربي من أن الزيارة مُثيرة للجدل. خصوصاً أن السعودية كانت وحتى فترة ما قبل زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، الطرف الذي يهاجمه ترامب في خطاباته. وهو ما يُبرز التناقض الأمريكي في السياسة الدولية، وحالة التخبط التي تعيشها الإدارة الجديدة في سياساتها الخارجية وتقييمها للمصالح والتحالفات في العلاقات الدولية!
ثالثاً: بات معلوماً أن التبعية العمياء للإدارة الأمريكية من قِبَل الأنظمة العربية، جعلت من مستقبل شعوب المنطقة في حالة من الضياع. وهو ما رفع من منسوب الأزمات بين هذه الشعوب وأنظمتها، لا سيما في السعودية والبحرين والأردن والعديد من الدول الأخرى، التي يُرتهن فيها الحكام للخارج دون مراعاة مصالح الشعب. مما يُنبئ بمزيد من الأزمات.
رابعاً: يجري التساؤل اليوم حول حجم الوعود التي تُطلقها الرياض فيما يخص المبالغ الإستثمارية لها في أمريكا. خصوصاً مع وجود حقائق تعكس وضعها الإقتصادي وأزماتها المالية الخانقة. وهو ما ينسحب على كافة الدول الخليجية، والتي تُعاني منذ فترة نتيجة وضعها الداخلي. الأمر الذي يؤكد حجم المؤامرة التي تقوم بها هذه الدول، ضد شعوب المنطقة، من خلال رشوة النظام الأمريكي، في محاولة لضمان استمراريتها ولو على حساب خيارات وتوجهات الشعوب.
خامساً: على الرغم من وجود تفاؤل لنجاح الزيارة، لكن الحقائق تُشير الى وجود مُعضلات كثيرة تواجه أمريكا. حيث أن وجود قناعة أمريكية بضرورة تقديم الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تنازلات لإنجاح عملية السلام، رفضته تل أبيب التي اعتبرت أنها لن تقبل بتخفيض عملياتها الإستيطانية. وهو ما أعاد الجهود العربية الأمريكية المشتركة الى المربع الأول.
إذن، لن تغيب سياسة الإبتزاز عن الطرف الأمريكي، والذي يُجيد سياسة استغلال نقاط الضعف العربية. فيما ستكون النتيجة حتماً مزيداً من الأزمات في المنطقة لأسباب تتعلق بحجم الإرتهان العربي للسياسة الأمريكية. لكن وعلى الرغم من كل ذلك، فمن الواضح أن الجامع بينهم همٌ واحد وهو القدرة على الإستمرار. لكن ترامب أثبت أن السياسة الأمريكية قائمة على الرشوة والإرتشاء. وهو لن يُخف النزعة الإبتزازية في زيارته. لكنه أمام العديد من التحديات الصعبة بين الخارج والداخل. خصوصاً بعد أن بات بنظر الأمريكيين الرجل المُتهور والذي يخلط بين التجارة والسياسة وهو ما لا يغيب عن زيارته الحالية.