الوقت - تعود قضية إقليم جامو وكشمير إلى أربعينيات القرن الماضي، عندما أقدمت الهند في حينها على ضم الإقليم ذي الغالبية المسلمة، متعهدة بإعطاء الشعب الكشميري حق تقرير المصير. طبعا لم تلتزم الهند بهذا التعهد فمرت هذه القضية بمراحل عدة اتسمت بمعظمها بالعنف حيث جرت عدة حروب بين الهند وباكستان في سياق الصراع للسيطرة على إقليم يُعتبر من أهم وأكثر نقاط الأرض خصوبة وغنى.
خلال كل تلك السنوات تمكنت الهند من حصر قضية الإقليم ضمن حدود محلية وإقليمية، وذلك بالاستفادة من الظروف السياسية الدولية التي ساعدت الحكومة الهندية على إبقاء القضية بعيدة عن اهتمام المجتمع الدولي.
وجديد هذه القضية اليوم هو البيان المشترك الذي صدر عن "مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة" و"المراقب الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير" إضافة إلى "المراقب الخاص المعني بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان". يطالب البيان الحكومة الهندية بإلغاء منع أهالي كشمير وجامو من الاستفادة من شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل عاجل.
حيث أن الحكومة الهندية قد عمدت إلى قطع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهر الماضي ردا على تظاهرات طلابية عمت جامو وكشمير، كما أقدمت على قمع هذه المظاهرات بأبشع الأساليب الممكنة.
ملاحظات ومتغيرات مرتبطة بقضية كشمير
بدايةً يعود القمع الذي تمارسه الهند بحق أهالي كشمير إلى بداية السيطرة على الإقليم، قمع اتسم بأبشع الأساليب الوحشية التي أودت بحياة أكثر من سبعين ألف ضحية. ولكن وعلى الرغم من ذلك وحتى الآن، أمام هذه المجازر البشعة لم يتم اتخاذ أي موقف مؤثر وحاسم من قبل المنظمات والمرجعيات الدولية المسؤولة.
وصحيح أن قضية كشمير تعود إلى قرون مضت، إلا أنها لا زالت قضية حية لسبب أساسي وهو أن الشعب الكشميري يرفض الخضوع أمام سياسة الحكومة الهندية، التي تسعى لإطفاء جذوة الثورة الكشميرية من خلال العنف والقمع، وهذا الأمر زاد من إصرار أهالي كشمير على مطالبهم المحقة، كما فشلت الحكومة الهندية باستمالة الشرائح المثقفة التي تعتبر اليوم المحرك الأساسي للقضية الكشميرية.
الحكومة الهندية ترفض أي حل للأزمة الكشميرية، وتتمسك بسياسة القمع وهذا الأمر بدأ يتحول إلى أزمة مرتبطة بحقوق الإنسان، مما يؤشر إلى إمكانية تحول المسألة إلى قضية دولية تتعلق بحقوق الإنسان بوجه الحكومة الهندية. (لطالما سعت الحكومة الهندية لإبقاء القضية محصورة ضمن أطر معينة لأسباب سياسية دولية).
ثم وبالعودة إلى البيان الصادر عن الجهات المختصة بحقوق الإنسان المذكورة، يؤكد البيان على توثيق 31 حالة قطع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من قبل الحكومة الهندية منذ عام 2012 حتى 2016م. وهذا الأمر المدان يُعتبر نقضا واضحا لوثيقة الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان، كما يؤكد الخوف وإحساس الخطر من قبل الحكومة الهندية ولذلك تعتمد التعتيم وعزل المنطقة عن العالم في محاولة فاشلة لضبط اللعبة داخليا.
إضافة إلى قطع الإنترنت ومنع الارتباط بالعالم الخارجي من خلال قطع وسائل التواصل الاجتماعي، من المهم الإشارة إلى الممارسات الهندية اللاإنسانية من قبيل القمع العنيف للمظاهرات والمجازر التي أودت بحياة آلاف الأبرياء، الاستفادة من معتقلين كشميريين كدروع بشرية لآليات الشرطة هناك، منع السكان من الاستفادة من الخدمات الصحية اللائقة، التعذيب الممنهج للمعارضين المعتقلين وإقفال الصحف المعارضة في الإقليم، هي من جملة الممارسات التي تعتبر موضع تنديد وهي نقض صارخ لحقوق الإنسان.
ختاما، إن استمرار هذا النهج من قبل الحكومة الهندية يساعد في إبراز هذه القضية بشكل أكبر وجعلها قضية دولية بامتياز، وهذا الأمر لا تريده الهند على الإطلاق. فالحكومة الهندية تحاول تصوير هذا الأمر على أنه مسألة داخلية هندية، أو حصرها ضمن الصراع الهندي الباكستاني. والرهان اليوم على الجامعيين والمثقفين الكشميريين لنقل صوتهم إلى المحافل الدولية والرأي العام العالمي.