الوقت- بقي الأردن غائباً عن الصراع السوري لفترة طويلة مؤمناً أنه غير معني إلا بالدفاع عن حدوده. لكن هذه اللهجة تغيرت، وبرز معها الحديث الجديد عن احتمال دخول الأراضي السورية لحماية الأمن القومي الأردني. الأمر الذي أبرز توتراً بين الأردن وسوريا، والذي تساءل فيه الكثيرون عن مصلحة الأردن الدولة التي تعيش على شفير الإنفجار الديموغرافي الداخلي، لأسبابٍ باتت معروفة. فكيف يمكن مقاربة المغامرة الأردنية في الجنوب السوري إن حصلت؟ وهل قرر الأردن تغيير دوره تجاه الصراع في سوريا؟ وكيف تسعى واشنطن لإستغلال ذلك؟
التوتر السوري الأردني
تجري المناورات الأردنية الأمريكية في الشمال الأردني وتستمر حتى الثامن عشر من الشهر الحالي. في حين يسود التوتر العلاقة بين سوريا والأردن، على وقع التهديدات الأردنية التي تحدثت عن احتمال دخول الأراضي السورية لحماية الأمن القومي، في وقتٍ رفضت فيه القيادة السورية التهديدات الأردنية معتبرة أنه سيتم التعامل مع القوات الأردنية على أنها قوات معادية في حال تخطيها الحدود دون تنسيق مع النظام.
الدور الأردني: هل تغيَّر؟
عدة مسائل يمكن لحاظها فيما يخص الدور الأردني تجاه الأزمة السورية. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: يوجد اختلاف بين مناورات العام الحالي، والمناورات السابقة والتي حصلت خلال الأعوام الستة الماضية. حيث تم نقل مسرح المناورات من منطقة البحر الميت جنوب الأردن الى الحدود الشمالية المقابلة للحدود السورية. وهو ما يمكن اعتباره بحسب الخبراء، يأتي في سياق التهديد الأردني تجاه سوريا وما لقيه من رد سوري، نتيجة معطيات واقعية.
ثانياً: ما يزيد من الإعتقاد السوري بشبهة التحركات الأردنية، نوع وحجم الأسلحة المتطورة الجوية والبرية المستخدمة في المناورات والتي تتضمَّن طائرات إنزال ومدرعات بريطانية وأمريكية تتناسب مع الجغرافيا العسكرية لمنطقة المناورات، بالإضافة الى مشاركة وحدات من المجموعات السورية المسلحة ما يُقارب عددها 6000 مسلح، تم تدريبهم من قبل ضباط غرفة الموك، والتي أدارت عمليات للتحالف الدولي في سوريا.
ثالثاً: ليس بعيداً عن أثر الدور الأردني، حذَّرت أطراف في المعارضة الداخلية بأن قيام الأردن بأي خطأ تجاه الدولة السورية، سينعكس على الإستقرار الأردني، حيث تعتقد هذه الأطراف أن إشراك القوات البرية الأردنية بعمليات عسكرية برية داخل سوريا سيُغرق الأردن في المستنقع السوري، وهو أمر خارج قدرة البلاد عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً وديموغرافياً.
العجز الأمريكي في سوريا والسعي لمعادلات جديدة
عدة مسائل تتعلق بالمساعي الأمريكية وعلاقتها بالتغيُّر المطلوب من الأردن سياسياً وعسكرياً نُشير لها في التالي:
أولاً: إن العجز الأمريكي أمام انجازات الجيش السوري أجبر واشنطن على البحث عن سُبلٍ جديدة تتخطى مساحة الجغرافية السورية. خصوصاً أن واقع الدولة السورية خرج عن إطار التأثير الأمريكي، حيث يبدو واضحاً سير العمليات التي يخوضها الجيش لصالحه في الميدان السوري، وفشل الرهان الأمريكي على الأطراف التابعة له في هذا الميدان. مما دفع واشنطن للتفكير بما هو خارج الميدان السوري عسكرياً.
ثانياً: يُعتبر ما يجري، تأكيد على فشل الرهان على أي توافق روسي أمريكي فيما يخص الملف السوري. وهو ما تُثبته التوجهات الأمريكية تجاه كل من السعودية والأردن. حيث بات الوضع في سوريا خارجاً عن إطار القرارات المنفردة وبالتالي فإن الواقع المُعقد للأزمة السورية أوضح للطرف الأمريكي صعوبة التوافق مع روسيا التي تعترف علناً بحاجتها للتنسيق مع إيران فيما يخص الأزمة السورية. وهو ما أبطل كل المحاولات الأمريكية لإبعاد موسكو عن طهران بعد أن باتت أدوارهم مُتكاملة.
ثالثاً: من الناحية العسكرية، فإن تقدم الجيش السوري خارج النطاق الجيو - عسكري الذي تَبِع معركة حلب، أثار حفيظة واشنطن خصوصاً أن الجيش السوري يُخطط لتوسيع سيطرته على مناطق البادية السورية بهدف الوصول الى الحدود العراقية وربط الحدودين وفتح المعابر التي تربط البلدين والتي تم إقفالها في وجه الدولة السورية منذ أواخر حزيران 2014 عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على هذه المعابر.
رابعاً: تهدف واشنطن من خلال أي عملية، لتغيير جغرافيا الميدان السوري لصالح مشاريعها عبر تغيير معادلات القوة والتي فشلت الأطراف الميدانية التابعة لها في تحقيقها. وذلك عبر وضع اليد على المثلثات الحدودية التي تربط كل من سوريا بالأردن والجولان المحتل من جهة، والحدود السورية الأردنية مع العراق من جهة أخرى. وهو ما سعت لفرضه من خلال مُقترحات المناطق الآمنة.
إذن، قد يُفكر الأردن في المخاطرة كما فعلت تركيا. لكن النتائج ستكون كارثية وأكبر. فالدخول الأردني في المستنقع السوري، يعني تجاوز الخطوط الحمراء التي يبدو أن سوريا قادرة على مواجهتها. في حين سيُعتبر ذلك تحدياً للعديد من الأطراف الحليفة لدمشق. فهل يحمل الأردن قدرة الإنصياع لأمريكا والتي لن تخسر شيئاً طالما أن المعركة وتأثيراتها هي على أرض الآخرين؟