الوقت- بعد مرور عدّة أيام على العملية الإرهابية التي قام بها الداعشي الملقّب "أبو يوسف البلجيكي"، والتي راح ضحيتها شرطي فرنسي بجادة الشانزيليزيه، وفيما تقوم دول الإتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا بعملية إنقاذ حاسمة لمصير الإتحاد المتصدع لاسيما بعد انسحاب بريطانيا منه وصعود نجم اليمين المتطرف في عدّة عواصم أوروبية، فهل نحن على موعد مع توديع أسطورة الإتحاد الأوروبي؟ وماهي أهمية الإنتخابات الفرنسية على مصير الإتحاد؟
حازت الإنتخابات الرئاسية الفرنسية لهذا العام على أهمية خاصة في أوروبا، فبات مصير إتحادها المتهالك على صفيح صناديق الإقتراع الفرنسية الساخنة، والإختيارات هذا العام مختلفة عن بقية الإنتخابات الرئاسية السابقة، ففي حال فوز مرشحة اليمين المتطرف "ماري لوبان" ستضيف الى قائمة اليمين الغربي منصبا أقوى بعد فوز "ترامب" في أمريكا و"تيريزا ماي" في بريطانيا التي تمكّنت من إقناع البريطانيين بالتصويت لصالح الإنفصال عن الاتحاد.
ومع اقتراب موعد وصول أحد المرشحين (ماكرون أو لوبان) الى الإليزيه، نرى دول الإتحاد الأوروبي تقدم دعمها المطلق للدولة الفرنسية في عملية تأمين الإنتخابات تحسبا من وقوع هجمات إرهابية، حتى لايكون لها أي تأثير على مصير المرشحين الرئاسيين، علاوة على ذلك قامت باريس بنشر 50 ألف من عناصر الأمن و7 آلاف من أفراد الجيش لحماية الإنتخابات من ذئاب داعش المنفردة.
إلا أن الأمر الذي بات يشكل هاجسا مؤرقا لعواصم دول الإتحاد هو حملات "مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان" الديماغوجية، التي تعمل على استغلال مخاوف الناخبين الفرنسيين بشأن الحالة الأمنية في البلاد "لاسيما بعد وقوع العديد من الهجمات الإرهابية" لتجذبهم لصالحها، والتي ستؤول الى انفصال آخر مؤلم للإتحاد الأوروبي في حال وصلت لوبان الى كرسي الرئاسة.
وفي الجولة الثانية من الإنتخابات ومع احتمال فوز "لوبان" زعيمة حزب "الجبهة الوطنية"، ورغم المحاولات اللاهثة من قبل أحزاب فرنسية من الداخل وعواصم أوروبية من الخارج لتفادي وصولها الى الإليزيه، إلا أنّ آمال فوزها باتت أكبر بكثير بعد الهجمات الأخيرة في باريس، ولاسيما بعد استلهامها أسلوب اليمين الأمريكي متجسدا في ترامب الذي قام بدوره بمباركة أداء المرشحة لوبان بطريقة غير مباشرة، في تغريدة على تويتر قائلا: "هجوم إرهابي آخر في باريس.. الشعب الفرنسي لن يتحمل مزيدا من هذا، سيكون لذلك تأُثير كبير على الإنتخابات".
تداعيات صناديق فرنسا الإنتخابية على أوروبا
يقف الناخبون في الإنتخابات الفرنسية أمام خيارين لابديل عنهما:
أولهما: اختيار زعيمة اليمين المتطرف الشعبوية "لوبان" المعروف عن معاداتها للمسلمين واللاجئين وتأييدها لنسق الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا، وهذه هي المرّة الأولى التي يصعد فيها حزب يميني في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، وإزاء ماتقدم سيوجّه فوز لوبان الضربة القاضية لدول الإتحاد الأوروبي التي تمتعت بامتيازات عديدة جعلتها أقوى إقتصادات العالم، منذ أن جمعتها معاهدة "روما" عقب انهيار الستار الحديدي الذي قسم أوروبا الى قسمين أحدهما تابع لأمريكا والآخر تحت هيمنة الإتحاد السوفييتي.
وبناءا على مخاوف الفرنسيين من تأثيرات العولمة وعلى رأسها تدفق اللاجئين إلى أوروبا وماخلفه من هجمات إرهابية حوّلت باريس الى أهداف دسمة لداعش، والخوف من فقدان الهوية القومية ثم الخوف من فقدان فرنسا نفوذها في الساحة الدولية، يمكننا القول أن احتمال فوز لوبان في الإنتخابات وشيك جدا خصوصا أنها تستغل نقمة المواطنين ومخاوفهم المذكورة آنفا لكسب أصواتهم وتحقيق أهدافها السياسية، ناهيك عن أنها لم تقدم حلولا عملية للمشكلات القائمة، مكتفية برفع شعارات معادية للأجانب وخاصة اللاجئين والإسلام.
ثانيهما: أن يتفق الفرنسيون بجميع الأحزاب التي ينتسبون إليها على تفادي فوز لوبان لتجنب إنهيار الإتحاد الأوروبي، واختيار الشاب إيمانويل ماكرون، المؤيد للاتحاد الأوروبي والذي تتهمه المعارضة الفرنسية بالولاء للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بسبب تأييده لنهجها لسياستها الأوروبية.
بوادر لوبان المرعبة
دعونا نتخيل أن لوبان تسلّمت مقاليد العرش في قصر الإليزيه، مالذي ستفعله في رأيكم؟
كافتتاحية لمشاريعها الرئاسية ستعمل زعيمة اليمين الفرنسي لوبان على استهداف المسلمين بشكل خاص وشلّ حركتهم في فرنسا ومنعهم من غالبية حقوقهم، حيث ستجمّد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى أن يتم التحقق من مصادر تمويلها، وتوعّدت أنها ستمنع الحجاب بشكل كامل وليس النقاب أو البرقع فقط، وستمنع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وسترحّل اللاجئين بصفة غير قانونية على غرار زميلها ترامب، وستمنح الأجانب فرصة مدتها ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، وعلاوة على كل ماذكرناه "تصرّ لوبان على خروج بلادها بشكل تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي".